السبت، 26 فبراير 2011

بين المرجعية الدينية ... والمشروع الحضارى للنهضة

بادئ ذى بدء أود أن أوضح أن المرجعية الإسلامية.. والتعبير عن تيار سياسى غائب عن الساحة السياسية .. ليس تهمة ندفعها عن أنفسنا.. كمؤسسين لحزب الوسط ، بقدر ما هو رغبة فى تصحيح إصطلاح إستهلك وأُسيئ ترويجه وإستخدامه من قبل نظام الحكم المستبد الفاسد فى مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير ، كى يمثل تضليلا للرأى العام وتخويفاً من أن كل من له مرجعية إسلامية بالضرورة يدعو لدولة دينية ثيوقراطية .. يكون الحكم فيها والسلطة .. للعلماء والمشايخ وأنها ستعيدنا لعصور الظلمة والتخلف ، كما أنها تقف ضد الحريات العامة وضد التقدم والحداثة للوطن .. وهذا كله زيف ولا أصل له وإدعاء بغير دليل بل وتجاهل لحقيقة تاريخية ... أن الإسلام منذ نشأة دولته الأولى .. فى المدينة المنورة .. وضع أول دستور فى العالم .. للدولة المدنية ... يضمن حقوق المواطنة الكاملة .. من عدل ومساواة بين أبناء الوطن الواحد ... فيما يسمى بوثيقة المدينة ، هذا من ناحية المبدأ العام ، كذلك من ناحية برنامج حزب الوسط خاصة ..فإنه يؤكد على مدنية الدولة وحقوق المواطنة وحقوق المرأة والحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد
.
ولكن .. بالرغم من أنها ليست تهمة ندفعها .. المرجعية الإسلامية ... إلا أننا بعد مراحل أربعة من الإجتهادات الفكرية عبر خمسة عشره عاماً قضيناها تحت التأسيس ... طورنا فى هذا المفهوم بشكل كبير .. حتى وصلنا إلى أن مرجعيتنا هى... المشروع الحضارى العربى الإسلامى ... كمشروع للنهضة .. فما هو الفارق بين المرجعيةالإسلامية ، وهذا المشروع الحضارى للنهضة ؟
يرى مؤسسو الوسط فى برنامجهم ... أنه من غير المقبول أن يخرج مجموعة من الناس يريدون الإنخراط فى العمل العام وخاصة السياسى .. دون أن يكون لهم .. هوية أو مرجعية .. لأنه إن لم توضح هويتك ومرجعيتك .. قد يختارها لك الآخرون سواءاً بضغوط من قوى خارجية أو بإملاءات ومساومات من قوى داخلية .. تريد إختطاف مشروعك ، لذلك فإننا توافقنا بعد عصف ذهنى بيننا وبين المتخصصين فى الشأن السياسى والعام والثقافى من مختلف الإتجاهات...أن المشروع الحضارى العربى الإسلامى أشمل وأكثر إستيعاباً ورحابة من المفهوم الضيق الذى أشيع من قبل عن المرجعية الإسلامية .
ففى ظل الحضارة العربية الإسلامية...ذات النكهة المصرية..والتى كان لها تميزها فى هذا المشروع الحضارى .. نبغ كثيرٌ من..غيرالمسلمين.. فى مجالات عديدة سياسية وثقافية وفنية وحصلوا على حقوقهم الكاملة كمواطنين أصلاء فشكلوا جزءاً هاماً من تاريخ هذا الوطن...وكان شعار..العيش الواحد ..هو شعار المرحلة.
كذلك أن المشروع الحضارى العربى الإسلامى ... يعنى بالأساس ويؤكد على ... المقاصد العليا ومنظومة القيم الإسلامية .. التى من شأنها أن تدفع بالوطن للأمام فى طريق النهضة والتقدم لا أن تكبله وتعوقه عن ملاحقة مسيرة التطور حول العالم .
ومن هنا يؤكد المؤسسون مثلا .. على أحد تلك المقاصد .. وهو الحفاظ على الكرامة الإنسانية .. للإنسان .. أياً كان جنسه أو دينه أو عرقه ... والكرامة الإنسانية تشمل جميع حقوق الإنسان ... السياسية ، الإجتماعية ، الثقافية ، حرية الإعتقاد ..والحرية بشكل عام وأساسى ... حتى أنها تتقدم على العدالة .
وفى وطن مثل بلدنا مصر ... وفى ظل تاريخ طويل من الظلم والإستبداد ... قد إستبيحت فيه حقوق الشعب .. وإهدرت كرامته .. ونال من العذاب أصنافاً عدة ، ولم يستطع أن يحصل على حقه .. فى العيش الكريم ... هنا تكون قيمة..الكرامة الإنسانية ... لها معنى أشمل بكثير من حقوق الإنسان فقط كما هى فى المواثيق الدولية ، فهى تعنى بالأساس ... الإحترام المتبادل بين السلطة والشعب ، بين الغنى والفقير ، بين الرجل والمرأة بين الأب وأولاده ... الكل له كرامته واحترامه...من هنا يأتى الحب والعطاء ... كلنا سواسية أمام القانون ..كلنا يعطى لهذا الوطن قدر إستطاعته ...وعطاءه مقدر ومحترم من قبل الجميع.
م.معمارى / طارق الملط
عضو الهيئة العليا لحزب الوسط

الجمعة، 25 فبراير 2011

رؤية إسلامية لأحوال العالم/محمد قطب ابراهيم

لقد خُيِّل لبعض المستضعفين المنهزمين أمام الحضارة الغربية, الذين استعبد الغزو الفكري قلوبهم وأرواحهم، أن ضعف المسلمين وتأخّرهم كان نتيجة حتمية لتمسكهم بالإسلام !! وأن الإسلام كان حركة تقدمية يوماً ما! أي بالنسبة لوقته! وأنه فعل ما فعل في النفوس بسبب أنه كان بالنسبة لوقته حركة تقدمية, فدفع الحياة كلها إلى الأمام ولكن دوره انتهى كحركة تاريخية وموقف تقدمي, لأنه بقي مكانه فسبقه "التطور"، فأصبح من ثم حركة رجعية! لم يعد صالحاً لمواكبة التطور الحديث؛ بل صار معوقاَ ينبغي طرحه والبحث عن بديل منه, والبديل هو الحضارة الغربية. إن الذي تخلّف لم يكن هو الإسلام.. وإنما " المسلمون "!! وقد تخلّفوا لا لتمسكهم بالإسلام, ولكن لتخليهم عنه, وتفريطهم فيه.. أما الإسلام فما زال هو الدين الحق, وما زال هو الطريق الواصل, وما زال هو الطريق المستقيم. تخلّف المسلمون لبعدهم عن حقيقة الإسلام, وإن بقيت لهم بعض مظاهره.. لقد بقي لهم أنهم ينطقون بأفواههم "لا إله إلا الله محمد رسول الله". فهل يعون معناها أو يعرفون مقتضياتها؟ وبقي لهم أنهم يؤدون بعض العبادات, فهل أدركوا المقصود بها, أو رعوها حق رعايتها؟ وبقي لهم بعض "التقاليد" الإسلامية, فهل تصمد التقاليد الخاوية من الروح للمعركة الضارية التي توجه إلى الدين عامة والإسلام على وجه الخصوص؟ وبقي لهم تمنيات بأن ينصر الله دينه, ويعيد إليه أمجاده, فهل تطفي التمنيات لتغيير الواقع السيء وإنشاء البديل ؟! نستطيع أن نقول أن كل مفاهيم الإسلام قد فسدت في حس الأجيال المتأخرة من المسلمين, تحوّلت "لا إله إلا الله" من منهج حياة كامل إلى الكلمة التي تُنطق بالأفواه، وتحوّلت العبادة بعد أن انحصرت في الشعائر التعبدية، وخرجت منها الأعمال والأخلاق إلى أداء آلي تقليدي خاوِ من الروح. وتحوّلت عقيدة القضاء والقدر من قوة دافعة إلى النشاط والحركة مع التوكل على الله, إلى قعود عن النشاط والحركة مع تواكل سلبي مريض، وتحوّل التوازن الجميل بين الدنيا والآخرة وإلى إهمال للدنيا من أجل الخلاص في الآخرة، فأُهملت عمارة الأرض وطلب العلم وطلب التمكين والقوة، وعمّ الجهل والفقر والمرض، ورضي الناس بذلك كله على أنه قدر ربّاني لا قبل لهم بتغييره، بل لا يجوز العمل على تغيير خوفاًَ من الوقوع في خطيئة التمرد على قدر الله! أهذا هو الإسلام؟! أم هذه صورة مناقضة لحقيقة الإسلام؟ وهل يمكن أن يؤدي الشيء ونقيضه إلى نتيجة واحدة ؟! إذا كان الإسلام يؤدي في حياة الناس إلى التمكين والقوة والنظافة ونقاء الأخلاق والتقدم العلمي والتقدم الحضاري، ومقاومة انحرافات البيئة والتغلب عليها.. فهل يمكن للصورة البديلة أن تؤدي إلي النتائج ذاتها؟! أم أنها تؤدي إلى الضعف والتخلف والخضوع لانحرافات البيئة والعجز عن تقويمها؟ وهذا حدث بالفعل.. فجاء الأعداء من كل حدب وصوب يحتلون أرض الإسلام, يمزّقونها تمزيقاَ, ويقتلون كل ما بقي من قيم في حياة المسلمين. ثم جاء الغزو الفكري ليقول للناس: إن السبب في كل ما حل بهم هو تمسكهم بالإسلام!! أي إسلام هذا الذي كانوا يتمسكون به؟! حقيقة إنهم كانوا "متمسكين" بشيء ما! وإنهم كانوا يتوهمون أن ما هم متمسكون به هو "الإسلام"! ولكن متى كان الوهم يغني عن الحقيقة أو يؤدي في عالم الواقع ما تؤديه الحقيقة ؟! مثل الوهم الذي كانوا متمسكين به والحقيقة كمثل ورقة النقد الزائفة يحسبها المخدوع بها ورقة حقيقة حتى إذا ذهب بها إلى السوق لم يستطع أن يحصل بها على شيء مما يريد، وعاد بالخيبة والحسرة إن لم يتعرض لإلقاء القبض عليه وتوقيع العقوبة عليه ! ولقد كان المسلمون متمسكين بأوهام يحسبونها حقيقة. أوّل هذه الأوهام أن الإيمان هو التصديق والإقرار وأن العمل ليس داخلاَ في مسمى الإيمان !! وبهذا الوهم حسبوا أنفسهم مؤمنين وهم لا يعملون بمقتضى الإيمان !! وتوهموا أنهم حين يؤدون الركعات المفروضة بأية صورة ويصومون الأيام من استطاع إليها سبيلاَ- فقد أدوا الزكاة المفروضة, ويحجون الحجة المفروضة -من أستطاع إليها سبيلاً- فقد أدوا كل العبادة المفروضة. ومن ثم خرجت أخلاقيات "لا اله إلا الله" من دائرة العبادة, وأصبح من المستساغ عند كثير منهم أن يؤدوا الركعات المفروضة في المسجد ثم يخرجوا ليكذبوا على الناس ويغشوهم ويخدعوهم, ويخلفوا وعودهم معهم, ولا يخلصوا في أعمالهم, و لا يتقنوا حرفتهم, ولا يأمروا بالمعروف ولا ينهوا عن المنكر, ولا يعمل على وقاية أنفسهم وأهليهم من النار باجتناب ما حرم الله, ولا يعاشروا زوجاتهم بالمعروف, ولا يهتموا بأمر المسلمين, ولم يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.. وفي حسهم أنهم أدّوا العبادة !! هل كانت مثل تلك "العبادة" تصلح زاداَ للدنيا أو الآخرة ؟! حين تؤدى على هذه الصورة يسقط وزرها ولكن لا يثاب الإنسان عليها، إنما يكون الثواب في الآخرة على قدر ما في العبادة من صدق. أما في الدنيا فلا يكون لها أثر حقيقي، لذلك قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} ومن الأوهام كذلك أن أنهم توهّموا أنهم ماداموا "مسلمين" فسينصرهم الله, وسيوفقهم وسيقضي لهم حوائجهم وينجح مقاصدهم, مهما يكن حالهم, ومهما تكن حقيقة أعمالهم!! غفلة كاملة عن السنن الربانية! لقد قال الله تعالى للمؤمنين: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. ولم يقل لهم: مادمتم مؤمنين فسأنصركم, وأثبت أقدامكم مهما تكن أحوالكم, وأوضاعكم وأعمالكم!! ولقد هزِم المؤمنون -وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- في وقعة أحد حين عصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهُزموا يوم حنين -وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذالك- حين أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم شيئاَ وهم خير القرون.. فكيف بهاتيك القرون المتلفتة الغارقة بالبدع والمعاصي؟! أفكان الله ناصرهم وهم لا ينصرونه؟! لمجرد دعواهم أنهم مؤمنون؟ أفكان الله موفّقهم وهم يعصونه, ولا يقومون بواجبهم نحوه؟ أفكان منجح مقاصدهم وقلوبهم مشغولة بذكره غافلة عن أمره ونهيه؟! إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} كيف فسدت مفاهيم الإسلام في حس تلك القرون المتأخرة ؟ لا شك أن هناك أسباباَ كثيرة تضافرت حتى زحزحت المسلمين عن حقيقة دينهم, وهم يحسبون على الدوام أنهم "متمسكون" بالدين ! وحتى إن أدركوا أنهم مقصرون -ولابد أن يدركوا ذلك بين الحين والحين-، أسرع إليهم من يوهمهم أنهم في مغفرة الله مهما فعلوا, حتى وقعوا فيما وقعت به بنو إسرائيل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}

{
وَرِثُواْ الْكِتَابَ} ! أي أخذوه وراثة واتخذوه تراثاً! ولم يشعروا أنه كتابهم هم, المنزّل إليهم ليعملوا بمقتضاه! إنما هو كتاب الآباء والأجداد وهم مجرد ورثة له, غير مكلّفين بالعمل بما جاء به !!لقد كانت هناك زحزحة مستمرة -استمرت من عمر الأمة عدة قرون- تبعد الناس رويداَ رويداَ عن حقيقة الدين, وتأتي الصحوة عابرة, على أيدي العلماء والدعاة والمصلحين, ثم تعود الأمة إلى غفوتها أكثر انحرافاًَ من ذي قبل, وأكثر بعداً عن حقيقة الدين. وفي النهاية تحقق النذير: تداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, بينما هم كثير كثير.. ألف مليون من البشر.. أكبر عدد وصولاً إليه في التاريخ.. وفي القرنين الأخيرين كانت الكارثة التي لا تزال تعيش الأمة عقابيلها إلى هذه اللحظة. ظلت الصليبية الصهيونية تتآمر على الدولة العثمانية حتى قضت عليه وفي النهاية أسقطتها. وفتت العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة هزيلة ضعيفة, تتصارع فيما بينها وتشاحن بما يحقق مصالح الأعداء دائماً, ويحقق لهم السيطرة على مقدرات المسلمين. ونُحِّيت الشريعة الإسلامية عن الحكم في كل البلاد التي دنستها أقدام الصليبين, تشفياً وحقداً من ناحية, وزعزعة للدين من أصوله من ناحية أخرى. فهم يعرفون أنهم حين ينقضون عروة الحكم تنقض بعدها بقية العرى, كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: « لتنقضن عرى هذا الدين عروة عروة, كلّما نقضت عروة تمسك الناس بالتي بعدها , فأولهن نقضاَ الحكم وآخرهن نقضاَ الصلاة ».وفي كل حين تهجم الصليبية هجمة أو تهجم الصهيونية هجمة, فيعيدون تفتيت الدويلات التي فتتوها من قبل, ليحيلوها إلى تراب تسحقه أقدامهم! ويفتعلون الأزمات لتحقيق أهدافهم, و "الأبطال" جالسون على مقاعدهم, يكذبون على شعوبهم ويموّهون عليها, في ظل "البطولات" المزعومة.. حتى تنفذ أغراض السادة, فيركلوا الأبطال الزائفين بأقدامهم ويستهلكوهم, ولا يعتبر منهم أحد بما فعل بمن سبقه من "الأبطال"!!

{
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}تلك نبذة سريعة عن مأساة الأمة في القرون الأخيرة التي لا تزال تعيش عقابيلها حتى اللحظة.. وما أبعد الشقة بين الأجيال التي شهد لها خالقها بقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} والأجيال التي حذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم: « غثاء كغثاء السيل »، وسنّة الله لا تتبدل ولا تتحول ولا تحابي أحداً من الخلق {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .. {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

كيف انحدرت الأمة من مستواها الرفيع إلى ماهي عليه الأن حتى صارت ذلك الغثاء الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا : أمن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله مهابتكم من صدور أعدائكم, وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

فن الكلام للشيخ علي الطنطاوي


زارني الليلة البارحة صديق لي فاستقبلته واعتذرت إليه بأني مشغول، عندي مقالة، قال: كل يوم مقالة، أو حديث؟ متى تنتهي هذه المقالات وهذه الأحاديث؟
قلت: حتى أنتهي أنا. قال: إنك تنشر باستمرار من أربعين سنة فمن أين تجيء بهذه الموضوعات كلها؟
قلت: أسمع كلمة من تكلم أو أبصر مشهداً في طريق فأدير ذلك في ذهني ولا أزال أولِّد من الكلمة كلمة، ومن المشهد مشهداً حتى يجيء من ذلك حديث أو مقالة. قال: أرني كيف تصنع حتى أتعلم!فضحكت وقلت: إنها عملية تتم في ذهني لا في يدي، فكيف أريك مالا يرى؟. وكنا قد شربنا القهوة ولكني لم أكتف بها ووجدت أنها لا تزال بي رغبة إلى الشاي وأنا كالإنكليز ( في هذه فقط ) أشرب الشاي في الصباح وفي الأصيل وفي الليل لا أنتهي منه حتى أعود إليه.فقلت للبنت: قولي لأمك أن بابا يسألك: هل من آداب الضيافة أن نقدم الشاي بعد القهوة؟
فذهبت فقالت لها: بابا عاوز شاي. قلت له: أسمعت؟ هذا موضوع حديث. قال متعجباً: هذا؟ قلت: نعم. لقد بعثتها لتنقل إليها عبارة معناها إني أريد شاياً. ولكني جعلتها نكتة لطيفة، ليس فيها أمر وليس فيها جفاء... فأضاعت البنت هذه المزايا كلها حين بلغتها المعنى المجرد جافاً قاسياً كأنه أمر عسكري
أفلا يوحي إليك هذا بشيء؟
فنظر وقال: لا!قلت: أما أنا فقد ذكرني بقصة الأمير الذي رأى رؤيا مزعجة فدعا بمن يعبرها له، فقال له: تفسيرها أنها ستموت أسرتك كلها. فغضب الملك وأمر به فجلد عشر جلدات وطرد. ودعا بآخر، فقال له... أيها الأمير إن تعبير رؤياك واضح أنك أطول عمراً من أسرتك كلها. فسر الأمير وأمر أن يعطى عشرة دنانير. والمعنى واحد ولكن هذا قذف به في وجه الأمير عارياً صلداً كأنه يقذفه بحجر فخرج مضروبًا وذلك لفه بثوب جميل من حسن التعبير وقدمه إليه بيمينه برفق وتعظيم فخرج بالجائزة. إن هذا هو الموضوع؟
قال: إني لم أفهم شيئاً إلى الآن؟ فما هو الموضوع؟
قلت: فن الكلام. إن الإنسان كما يقولون حيوان ناطق، وليس النطق أن يخرج الحروف ويصفَّ الكلام، بل أن يعرف كيف يتكلم، ورب كلمة تدخل الجنة، وكلمة تدخل النار وكلمة أنجت من القتل وكلمة دفعت صاحبها إلى القتل، ورب صاحب حاجة عند وزير أو كبير، عرف كيف يطلبها فقضيت له، وآخر طلبها فلم يصل إليها. وكثيراً ما كان يقصدني أرباب الحاجات يسألونني أن أكلم لهم من أعرف من الوزراء والكبراء وأنا أكره أن أسأل في حاجة لي أو لغيري، فكنت أعتذر إليهم ولكني أفيدهم فائدة أكبر من وساطتي، هي أن ألقنهم الكلام الذي يقولونه للوزير أو للكبير ولولا أن الوقت يضيق عن التمثيل لضربت لذلك أمثالا ً. وفي كتب الأدب العجائب في هذا الباب ولعلي أعود إلى الكلام فيها يوماً. وهذا فن لا يتعلم تعلماً ولكن يوصل إليه بالقلب الذكي، وبأن تعرف خلق من تكلمه والطريق إلى نفسه. وكل نفس لها باب، وإليها طريق، لم يخلق الله نفساً مغلقة لا باب لها، فهذا يدخل إليه من باب التعظيم، وهذا من باب العاطفة وهذا من باب المنطق، وهذا من باب التهديد والتخويف، وهذا يزعجه التطويل ويحب الاختصار وهذا يؤثر الشرح والبيان ولا بد لك من قبل أن تكلم أحداً أن تعرف من أي باب من هذه الأبواب تدخل عليه. ولا أذهب بك بعيداً معك في الدار، أليس لك أولاد؟
قال: بلى. قلت: قد يجيئك ولدك وهو عابس مبرطم ( الكلمة عربية ) فيقول لك بلا سلام ولا كلام: أبغي نصف ريال. فتقول له: أما أخذت البارحة نصف ريال؟ أكل يوم نصف ريال؟ وتطرده. ويجيء الولد الآخر فيقبل يدك، ويسلم عليك، ويقول لك بابا أنا أشكرك لأنك أعطيتني أمس نصف ريال ولكني أنفقته وأنا أريد غيرها ولكني مستحي منك. وسأقتصد ولن أنفقها كلها مثل المرة الماضية. فتقول له: لماذا تستحي مني؟ هل يستحي أحد من أبيه؟ خذ هذا ريال. إنك لا فضل ولداً على ولد، ولا تبخل بنصف الريال ولكن الأول أساء الأدب فعاقبته بالحرمان والثاني أحسن الأدب فأجبت له الطلب. والمرأة الحكيمة التي تعرف خلق زوجها وتعرف كيف تكلمه تصل إلى كل ما تريده منه، والمرأة الحمقاء تحرم نفسها من كل شيء. الأولى تعرف الوقت المناسب لعرض طلبها فلا تجيء زوجها وهو غضبان أو متضايق، بل تنظر ساعة رضائه وانطلاق نفسه فتطلب منه. ولا يكفي الرضا منه بل يجب أن يكون مع رضا النفس امتلاء اليد فإذا كانت تعلم أن الزوج ليس لديه من المال ما يلبي به الطلب لم يفدها حسن العرض ولا جمال القول. وليست العبرة بألفاظ الكلام فقط بل باللهجة التي يلقى بها هذا الكلام والتحية إن ألقيت بلهجة جافة كانت شتيمة والشتيمة إن ألقيت بلهجة حب كانت تحية، والولد الصغير يعرف هذا بالفطرة. إن قلت وأنت ضاحك ( أخ يا خبيث) سر وابتسم، وإن قلت وأنت عابس مهدد: تعال يا آدمي يا – منظوم – خاف وهرب. وإن قلت لصديقك في الدار: تفضل اقعد كانت مكرمة وإن قالها رئيس المحكمة للمحامي في وسط دفاعه كانت إهانة. مع أن الكلمة واحدة وإن كتبت لم يكن بين حاليها اختلاف وما نقلها من حال إلى حال إلا اللهجة. وخذ مثلاً أقرب كلمة صباح الخير. إن صباح الخير قد يكون معناها إني لا أبالي بك ولا أحس غيابك ولا حضورك... وذلك إن قلتها ووجهك خال من كل تعبير وصوتك خال من الحرارة، كأنك تردد جملة محفوظة. وقد يكون معناها إني أعطف عليك ولكني أراك دوني وأحس أني أرفع منك – إن قلتها وأنت باسم بسمة دبلوماسية وقد أحنيت رأسك ربع سانتي انحناءة مصطنعة. وقد يكون معناها إني صديقك المخلص لك – إن قلتها بابتسامة صادقة وبلهجة طبيعية. وإن برقت عيناك وأنت تقولها وارتجف صوتك حتى كأنه صوت ( أحمد علام ) في رواية مجنون ليلى كان معناها إني أعشقك وأموت حباً فيك. وقد يكون معناها، إني أحتقرك وأزدريك إن قلتها وأنت مصغر خدك زاو نظرك شامخ بأنفك. وقد يكون معنى صباح الخير سب الأب فإذا عوتب القائل قال: ( وهل شتمته، هل قلت له شيئاً؟ إنما قلت له صباح الخير ). وقد يكون للكلمة أحياناً عكس معناها، الذي يدل عليه لفظها، يفهم ذلك من قرائن القول وظروف الكلام. فإذا خرجت من الوزارة أنت وزميلك، فاصطحبتما في الطريق، حتى بلغت دارك، تقول له: تفضل معنا. فيقول لك: في أمان الله. لأن ( تفضل معنا ) هنا. معناها، فارقنا واذهب عنا، بدليل أنه لو أخذها على حقيقتها وتفضل معك، لضقت به واستقبلته وعجبت منه. وقد يطيل الزائر السهرة، ثم يتهيأ للقيام فتقول له: بدري ( كمان شوي ) ومعنى ذلك لقد أطلت فاذهب. وإذا مللت من حديث محدثك، تقول: ( لا يمل ) وهو في الحقيقة قد مل. وتقول: ( غير مقطوع حديثك ) وقد قطعته وفصلت رأسه عن جسده، أو بترت ذنبه عن جسمه. وقد يفقد الكلام كل معنى، ويصير جملاً فارغة، كقولك لمن تلقاه. كيف حالك؟ ولا يهمك حقيقة أن تعرف حاله ولا ماله. ويقول لك: مشتاقون، وما هو بالمشتاق إليك ولا المفكر فيك. ويقول: طمني عن الصحة؟. كأن صحته تشغل فكرك، وتطرد النوم عن عينيك ولا تطمئن حتى تثق بكمالها وتمامها. كنت مرة خارجاً من المستشفى، بعد عملية جراحية، لا أزال أقاسي آلامها، فلقيني صديق لي فقال: كيف الصحة؟ فظننته يسأل عنها حقيقة ورحت أشرح له ما بي و أصور ما أجد وتكلمت خمس دقائق بمقدار حديثي في الإذاعة – على مائدة الإفطار – في رمضان فلما انتهيت سكت ونظرت إليه، أسمع منه، فقال: كيف الصحة إن شاء الله بخير. وإذا به لم يسمع من شرحي وبياني شيئاً. ودليل آخر، هو أسلوب التحية هنا وفي مصر وفي الشام يقول لك، من تلقاه. كيف أصبحت؟ كيف الأولاد، فتجيبه بما تيسر، فيعود فيقول: وكيف أصبحت وكيف الأولاد؟
يعيدها – كما تعاد ( ازيك ) في مصر، و( ايش لونك) في الشام والعراق، سبع عشرة مرة على الأقل – فلا تدري بماذا تجيب. ومن الكلام الذي لا يدري المراد منه سؤال إخواننا الصحفيين كل من يلقونه، في كل مناسبة، وفي غير مناسبة، (عن شعوره ) عند رؤيته هذا المشهد، و ( انطباعه ) – وما أدري ما معنى ( انطباعه) - لذلك الحادث. ولو حققت عن مراد السائل من سؤاله. وجدت السائل لا يعرف حقيقة ما يريده، فضلاً عن أن يعرفه المسؤول. ولهجة الكلام وملامح الوجه، تقلب المعني قلباً. تصوروا رجلاً يدخل المأتم الحزين، وهو باسم الثغر، منطلق الوجه، ويقول بلهجة مرحه: ( عظم الله أجركم، والله تألمنا لمصابكم ). أو يدخل الفرح وهو دامع العين، ويقول بلهجة باكية: لكم تهانينا، إننا فرحون لفرحكم.إن من يسمعه، يقول إنه أحمق، أو كاذب، ومثله مثل هؤلاء المغنين الذين يسمون أنفسهم قراء وما هم بالقراء، يتلون آية العذاب من كتاب الله التي تقشعر لها الجلود بصوت مرح ونغمة مرقصة، ويتلون آية البشرى والنعيم بنغمة حزينة وصوت باك.وإن من إمارات الحكم على شخصية إنسان لهجة كرمه، فمن كان يتكلم بصوت هادئ ولهجة متزنة، وحروف واضحة، كانت له شخصية المهذب النبيه، ومن كان مرتفع الصوت، حاد اللهجة يتشدق في كلامه أو يمط الحروف لم تكن له هذه الشخصية وقد ترى امرأة جميلة الوجه وأخرى دونها جمالاً، ثم تسمع كلامهما، فتجد الأولى خشناً ولهجتها قاسية، وهي مسترجلة في نطقها، وتجد للثانية صوتاً رقيقاً ولهجة ناعمة ونغمة حبيبة فيزيد في عينيك جمالها حتى لتجدها أجمل من صاحبتها بل ربما شوه كلام الأولى صورتها في بصرك حتى رأيت جمالها قبحاً.
قال صاحبي: لقد اكتملت المقالة

الجمعة، 18 فبراير 2011

محمد صلى الله عليه وسلم داعيا


يقول تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.. (غافر : 60)، ويقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.. (البقرة : 186)، ويقول
صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير وصححه.
ويقول: "من لم يسأل الله يغضب عليه" أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي عن
أبي هريرة رضي الله عنه وصححه.
وكان عليه الصلاة والسلام لاهجا بدعاء ربه في كل حالاته، قد فوّض أمره لمولاه، وأكثر الإلحاح على خالقه يناشده رحمته وعفوه، ويطلب برّه وكرمه، وكان يختار
جوامع الدعاء الكامل الشامل كقوله: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".. أخرجه البخاري ومسلم عن انس رضي الله عنه. وقوله: "اللهم إني أسألك العفو والعافية" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه.
وكان يكرر الدعاء ثلاثا، ويبدأ بالثناء على ربه، وكان يستقبل القبلة عند دعائه، وربما توضأ قبل الدعاء، وكان يعلم الأمة أدب الدعاء، كالبداية بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، ودعاء الله بأسمائه الحسنى، والإلحاح في الدعاء، وتوخّي أوقات الإجابة كأدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي حالة السجود والصوم والسفر، ودعوة الوالد لولده، وكان عليه الصلاة والسلام وقت الأزمات يلحّ على ربه ويناشده، ويكرر السؤال مع تمام الذلّ والخوف والحب وحسن الظن، وتمام الرجاء، كما فعل يوم بدر ويوم الخندق و
يوم عرفة.
وكان الله يجيب دعوته ويلبّي طلبه، كما حصل له على المنبر يوم استسقى فنزل الغيث مباشرة، ويوم شق له القمر، وبارك له في الطعام والمال، ونصره في حروبه، ورفع دينه وأيّد حزبه وخذل أعداءه، وكبت خصومه، حتى حقق الله له مقاصده وأكرم مثواه وجعل له العاقبة صلى الله عليه وسلم
.

الاثنين، 14 فبراير 2011

الاستبداد يشل القوى/للشيخ محمد الغزالي

الحكم الذي ساد بلاد الإسلام من بضعة قرون كان طرازا منكرا من الاستبداد والفوضى
. . انكمشت فيه الحريات الطبيعية، وخارت القوى المادية والادبية، وسيطر على موازين الحياة العامة نفر من الجبابرة أمكنتهم الأيام العجاف أن يقلبوا الأمور رأسا على عقب، وأن ينشروا الفزع في القلوب، والقصر في الآمال، والوهن في العزائم . . . .والحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا.وهو دخان مشئوم الظل تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد.فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج . .!!ومن هنا حكمنا بأن الوثنية السياسية حرب على الله وحرب على الناس.وأن الخلاص منها شئ لا مفر منه لصلاح الدنيا والاخرة. . . .وقد أصيب الإسلام في مقاتله من استبداد الحاكمين باسمه.بل لقد ارتدت بعض القبائل، ولحقت بالروم فرارا من الجور . . إن المستبدين ينبتون في مناصبهم نبتا شيطانيا لا توضع له بذور، ولا تحف به رغبة، ولا تشرف عليه موازنة أو مشورة.!!وعندما يوضع رأس فارغ على كيان كبير فلابد أن يفرض عليه تفاهته، وأثرته، وفراغه. . .ومن هنا تطرق الخلل إلى شئون الأمة كلها، فوقعت في براثن الاستعمار الأخير لأن الخلفاء والملوك والرؤساء كانوا في واقع أمرهم حربا على الامة الإسلامية، أو كانوا في أحسن أحوالهم ترابا على نارها، وقتاما على نورها.فلو خلوها وشأنها لاستطاعت الدفاع عن نفسها، متخففة من أعباء هؤلاء الحكام، ومن جنون العظمة الذي استولى عليهم . . .!!ثم إن الإسلام ينكر أساليب العسف التي يلجأ إليها أولئك المستبدون في استدامة حكمهم واستتباب الأمر لهم . . . إنه يحرم أن يضرب إنسان ظلما، أو أن يسفك دمه ظلمت.فما تساوى الحياة كلها شيئا إذا استرخصت فيها حياة فرد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".فأشد الجرائم نكرا، أن يقتل امرؤ من الناس توطيدا لعزة ملك أو سيطرة حاكم . .وفي حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجيئ المقتول يوم القيامة آخذا قاتله ـ وأوداجه تشخب دما ـ عند ذي العزة ـ جل شأنه ـ فيقول: يارب، سل هذا، فيم قتلي؟
فيقول المولى عز وجل: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان . . . قيل: هي لله".وفي التعذيب دون القتل، وهو ما ينتشر في سجون الظلمة، روى أبو هريرة أن رسول الله قال: "من جرد ظهر مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان".ويقول أيضا: "ظهر المسلم حمى، إلا بحقه".يعني أن المسلم لا يجوز ان يمس بسوء أبدا، إلا أن يرتكب ذنبا أو يصيب حدا، فعندئذ يؤخذ منه الحق الثابت في دين الله. إن الجو الملئ بما يصون الكرامات، ويقدس الدماء والأموال والأعراض هو الجو الذي يصنعه الإسلام للناس كافة، وهو بداهة الجو الذي يحسنون في العمل والإنتاج.فحيث تسود الطمأنينة، ويختفي الرعب، ينصرف العامة إلى تثمير أموالهم وتكثير ثرواتهم، لأنهم واثقون أن حصاد ما يغرسون لهم ولذراريهم، فهم غير مدخرين وسعا في العمل والإنتاج . . إلا أن هذه البيئة الوادعة الآمنة المشجعة على الكدح والكسب تقلصت رقعتها في الأمة الإسلامية خلال القرون الأخيرة!!. ووقع الفلاحون والصناع وأهل الحرف المختلفة في براثن أمراء يحكمون بأمرهم لا بأمر الله.فكانت عقبى الترويع المتجدد النازل على رؤوسهم أن أقفرت البلاد وصوح نبتها، وعم الخراب أرجاءها . . .!!وتستطيع أن تلقي نظرة عجلى على تاريخ خلال المائتي سنة الأخيرتين، فيما كتبه عبد الرحمن الجبرتي.إنك ترى من الأحداث ما لا ينفد عجبك له.حكام يطلبون من المال من الناس كلما تحركت رغبة الطلب في نفوسهم.فإذا الضرائب تفرض دون وعي. والأملاك تصادر دون حق.وخصومات على الحكم تشعل جذوتها عصابات طامعة من أصحاب الجاه وعشاق السلطة، وتسفك فيها الدماء بغزارة، ولا يفوز فيها إلا أقدار الفريقين على الفتك، وأطولها يدا بالأذى . . . !! ما هذا؟
أمة انفرط عقدها فليس يمسكها شئ.وضاع أصلها فلا تستحي من سلوك.وتشبث بها الفتن طولا وعرضا، فهي كحريق هائل كلما ظن أنه انطفأ في ناحية اندلع ناحية أخرى.!!ومن البديهي أن تمحق أسباب العمران بله مظاهر الحضارة في أتون هذه الفوضى الضاربة. .!!البديهي أن تضطرب شئون الري، وأن يفر الفلاحون من زراعة الأرض، وأن يعيش أهل المدن وكأنهم يستعرون أعمارهم يوما بيوم.فإذا كانت مصر البائسة صورة لأقطار الأمة الإسلامية المنتشرة بين المحيطين، فأي مستقبل ترقبه لمثل هذه الأمة التي عز فيها الداء واستفحل الخطب؟؟
كان سقوطها في مخالب المستعمرين الغزاة، النتيجة الحتم!!.وتخلفها في ميدان الحياة المتافعة المتدفقة هنا وهناك أمر لم يكن منه بد.والمسئول عن هذه الجريمة النكراء هو الاستبداد السياسي الذي وقعت البلاد فريسة له، وكان دين الله ضحاياه الكثيرة . . يجب أن نعلم الناس يتهيأون للعمل العظيم، ويتجهون إليه بأفكار رتيبة مستريحة، حين يكون الشعور بالأمن مستوليا على أقطار أنفسهم. أما حيث تستخف الذئاب الحاكمة وراء جدران الدواوين، وتنقض متى شاءت على أقرب قريسة لها، فهيهات أن يزدهر إنتاج، أو يستقيم سعى . .الحريات الكاملة ضرورة لنشاط القوى الإنسانية وتفتح المواهب الرفيعة.إن النبات يذبل في الظل الدائم،ويموت في الظلام . . .ولن تتفتح براعمه، وتتكون أثماره إلا في وهج الشمس.كذلك الملكات الإنسانية، لا تنشق عن مكنونها من ذكاء واختراع، إلا في جو من الإرادة المطلقة، والحرية الميسرة . .!!والعالم الإسلامي ـ ونقولها محزونين ـ نكب بمن رده نهاره الضاحي ليلا طويلا . . .نكب ـ في العصر الماضي ـ بحكام ظنوا البشر قطعانا من الدواب، فهم لا يحملون في أيديهم إلا عصا . . .والحاكم الذي لا تألف رعيته منه إلا العصا جرثومة عبوديتها أولا.وهو لقنطرة التي تمهد للإذلال الخارجي أخيرا . . .ونحن موقنون بأن الاستعمار الذي نشر غيومه في ربوع الأمة الإسلامية كان ومازال لا علة له إلا هذا الضرب من الحكومات . . . ومما يقترن بالاستبداد السياسي ولا ينفك عنه، غمط الكفايات، وكسر حدتها، وطرحها في ماوي النسيان ما أمكن.ذلك أن المستبد يغلب عليه أن يكون مصابا بجنون العظمة.وربما اعتقد أن كل كفاية إلى جانب عبقريته الخارقة صفر لا تستحق تقديرا ولا تقديما . .وإذا اكرهته الظروف على الاعتراف بكفاية ما، اجتهد في بعثرة الأشواك أمامها، واستغل سلطانه في إقصائها أو إطفائها.وفي رأيي أن حظوظ الأمم من الكفايات متساوية، أو متقاربة، وأن أولى النباهة والمقدرة عند أية دولة في الغرب، لا يزيدون كثيرا عن أمثالهم في أي شعب شرقي . . !!كل ما هنالك أن قيادة الجماهير في أوروبا وأمريكا أخذ طريقه الطبيعي إلى أيدي الأذكياء الأكفاء . .أما في الشرق الإسلامي مثلا فإن القياد ـ بأسباب مفتعلة ـ ضل طريقه عن أصحابه الأحقاء به، وسقط في ايدي التفاهين والعجزة . . وهذه الأسباب المفتعلة يقيمها ـ عن عمد ـ الاستبداد السياسي حيث يظهر ويسود. إن المستبد يؤمن بنفسه قبل أن يؤمن بالله.ويؤمن بمجده الخاص قبل أن يؤمن بمصلحة الأمة . .ومن هنا يعول على الأتباع الفانين فيه، يحشدهم حوله، ويرفض الإستعانة بالكفايات التي لا تدين بالولاء له، ولا يبالي بحرمان الوطن، أو الدين من مهارتهم.وتأخر العالم الإسلام في القرون الأخيرة مرجعه انتشار هذا الوباء!فإن منع الرجل القوي من القيام على الأمانات تضييع له ولها، تضييع ينطق لسانه بهذه الشكاة:لم لا أسل من القراب وأغمد * * * لم لا أجرد والسيوف تجرد؟
أو كما قال الآخر، كاشفا عن عواقب حرمان الأمة فيما ينوبها من أزمات:أضاعوني وأي فتى أضاعوا * * * ليوم كريهة وسداد ثغر!! وطبيعة الرجل الكفء كراهية الهوان والتحقير.ألا ترى موقف عنتر بن شداد حين هوجمت قبيلته، وكان أبوه قد وظفه في الرعي والخدمة؟؟
لقد تطلعت إليه عند اشتداد الهجوم، وافتقاد الأبطال!!وجاء شداد مسرعا يطلب من الابن المحقر المبعد أن يقود حركة المقاومة!!وقال عنترة ـ منددا بموقف أبيه منه ـك إن العبد لا يحسن الكر والفر، ولكنه يحسن الحلاب والصر!!فقال الوالد المحرج: كر وأنت حر . . .حسنا فعل شداد، وحسنا فعل ابنه!! إن الملكات الإنسانية العالية في ندرة المعادن النفيسة من ذهب وماس ولؤلؤ ومرجان.وإضاعتها خسارة يعز معها العوض المفاجئ.وانهيار التاريخ الإسلامي في القرون الأخيرة يرجع ـ كما أسلفنا ـ إلى ذوبان الكفايات وسط عواصف من الهوى والجحود.وإلى استعلاء نفر من الرجال الذين تقوم ملكاتهم النفسية على إحسان الخطف والتسخير، وربط الأتباع بهم على أساس المنفعلة المعجلة!!وشئوننا المادية والأدبية من عدة قرون تدور حول هذا المحور.فبينما كانت أوروبا تنتفض من خمولها، وتهب الرياح رخاء في أرضها، ويجد العباقرة الفرص مضاعفة أمامهم ليفكروا ويكتشفوا ويخترعوا . . . وبذلك تمهد الطريق أمام الذكاء الإنساني الرفيع كي يسير ويشد وراءه القافلة الحانية عليه المعجبة به ـ ! في ذلك الوقت نفسه، كان الشطار عندنا من الأمراء والعمد يتنازعون على حكم المدائن والقرى، ومؤهلاتهم للسيادة المنشودة لا تعدو القدرة على سحق الخصوم . . .!!فكيف تصلح أمة تتكتل أحزابها حول عصبية السلطان المسروق بدل أن تتجمع حول مثل عالية، ومبادئ نبيلة؟؟
لقد جنت علينا هذه الأحوال يقينا!وجنينا من طول بقائها في بلادنا تأخرا في المظاهر الأولى للعمران ، بله تأخرا في مجال الإجادة والابتكار. وفي أثناء مغيب الحرية عن بلد ما، يقل النقاد للأغلاط الكبيرة، أو يخنفون، وتضعف روح النقد عموما، أو تتوارى..!!وهذه الحال تمكن للفساد، وتزيد جذوره تشبثا بالبيئة العليلة. وحاجة الأمم للنقد ستظل ما بقي الإنسان عرضة للخطأ والإهمال، بل ستظل ما بقي الكلمة من البشر يخشون ويخافون الحساب!ومادامت العصمة لا تعرف لكبير أو صغير، فيجب ان يترك باب النقد مفتوحا على مصراعيه . .!!ويجب أن يحس الحاكم والمحكوم بأن كل ما يفعلون او يذرون موضع النظر الفاحص والبحث الحر . . .فإن كان خيرا شجوا على استدامته . . .وإن كان شرا نبهوا إلى تركه، حذروا من العودة إليه، بعد أن يرفع الغطاء عن مواطن الزلل فيه . . . وقيمة النقد في إحسان الأعمل وضمان المصالح لا ينكرها عاقل.وإنما هلكت الامم الهالكة لأن الأخطاء شاعت فيها دون نكير، فما زالت بها حتى أوردتها موارد التلف.ونحن لا نحب لأمتنا هذا المصير. إن أغلب الناس إذا أمن النقد لم يتورع عن التقصير في عمله، ولم يستح من إخراجه ناقصا وهو قدير على إكماله! وقد كان خالد بن الوليد بصيرا بهذه الطبيعة عندما أعاد تنظيم الجيش الإسلامي في موقعة اليرموك على أساس تمتاز به كل قبيلة، وينكشف به صبرها وبلاؤها، وتحمل به تبعتها من النصر والهزيمة، تبعة غير عائمة ولا غامضة . .وكانت التعبئة الأولى للجيش تخلط بين الناس في كيان عام، وتتيح لأي متخاذل أن يفر من معرة التقصير، فلا يدري بدقة: من المسئول؟ وعقل الألسنة عن الكلام في عمل الاستبداد والمتبدين ضيع على أمتنا مصالح عظيمة خلال الأعصار السابقة. إذ أطمأن العجزة والمفسدين، وجعلهم يسترسلون في غيهم، فما يفكرون، في إطراح كسل، ولا ترك منقصة . . .!! أما الحريات التي تقدسها الدول الديمقراطية فإنها مزقت الأغطية عن كل الأعمال العامة، وجعلت الزعماء ـ قبل الأذناب ـ يفكرون طويلا قبل إبرام حكم، أو إنفاق مال ، أو إعلان حرب، أو ابتداء مشروع كبير . . .بل جعلتهم في مسالكهم الخاصة يوجلون من أي عمل يثير حولهم القيل والقال . . .ولا شك أن هذه الحريات حاجز قوي دون وقوع العبث بشئون الأمة، أو نذير بتقصير أجله إذا وقع، ومؤاخذة أصحابه بغير هوادة. ولو نظرنا إلى الحرب العالمية الثانية لوجدنا في أحداثها ما يستدعي العبرة . . .فقد انتصر الألمان في مراحلها الأولى انتصارا خطيرا، بيد أن خصومهم سرعان ما شرعوا يستفيدون من أخطاء الحكم الفردي القائم ضدهم.وكانت هذه الأخطاء من الجسامة بحيث نستطيع اعتبارها السبب الأول في انكسار القوم . . لقد حارب هتلر الروس ضاربا باراء قواده عرض الحائط، فكانت هذه أولى مصائبه.تم رفض خطة أولئك القادة لمنع نزول الحلفاء بشواطئ فرنسان ونفذ خطة من تفكيره هو وتفكير بعض متملقيه، فكان أن فتحت الجبهة الثانية.ثم وقع الألمان بين شقي الرحى. وتحول انتصارهم الأول اندحارا من أبشع ما روى التاريخ . . .ذلك أن الأمور لا تصلح أبدا برجل واحد يدعي العلم بكل شئ ويعتقد أن العناية حبته بما حرمت منه سائر الخلق . . .!! ويؤسفنا أن نقول أن تاريخنا العلمي والاجتماعي والسياسي كان ينزل خلال القرون الأخيرة من مزالق إلى منحدرات، ومن منحدرات إلى هاويات، لأن أزمة النشاط المادي والأدبي كانت في أيدي أفراد يكرهون النقد، ولا يحبونه من أحد، ولا يسمحون بجو يوجه وينعشه . . .والغريب أن هؤلاء الرجال ـ عندما يوزنون بحساب النبوغ والقدرة ـ لا ترجح بهم كفة.فكيف يصلح بهم وضع، أو تقوم بهم نهضة، أوتنشط بهم قوة للبناء والإنتاج؟؟؟
حاجة المسلمين إلى الحريات البناءة ـ في تاريخهم الأخير ـ أزرت بهم، وحطت مكانتهم . . .على حين نعمت أجناس أخرى بتلك الحريات، فتحركت بقوة، ثم اطرد سيرها في كل مجال، فإذا هي تبلغ من الرفعة أوجا يرد الطرف وهو حسير.وزاد الطين بلة شئ آخر . . .أننا عندما اتصلنا بالغرب في أثناء القرنين الماضيين، وشعرنا بضرورة الاقتباس منه والنقل عنه، كانت أفهامنا من الصغار ـ ولا أقول من الغفلة ـ بحيث لم تلتفت إلا للتوافه والملذات . . .فالحرية التي تشبثنا بها، ليس هي الحرية العقل في أن يفكر ويجد ويكتشف . .بل حرية الغريزة في أن تطيش، وتنزو، وتضطرم. . !!. وسرعان ما احتلت الملابس الأوروبية أجسامنا، والأثاث الأوروبي بيوتنا، والعادات الأوروبية ـ في الأكل والنوم ـ أحوالنا . . .أما تألق الذهن! وجودة التفكير، وإطلاق القوى البشرية من مرقدها تسعى وتربح فذاك شأن آخر.ومن السهل على القردة أن تقلد حركات إلإنسان ما . . .!!أفتظنها بهذا التقليد السخيف تتحول بشرا؟؟ ولقد راينا المسنين من الرجال، والأحداث من العيال، يأخذون عن أوروبا الكثير من مظاهر المدنية الحديثة، وهي مظاهر نبتت خلال حضارة الغرب كما تنبت "الدنبية" خلال حقول الأرز. إنها شئ آخر غير حضارة الغرب التي ارتفع بها واستفاد منها.فهل هذا الأخذ الغبي رفع خسيستهم، أو دعم مكانتهم؟
كلا، إنهم ما زادوا إلا خبالا . . والواقع أن اليابان نهضت نهضة كبرى في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد.والصين نهضت نهضة أشمل وأخطر في منتصف القرن العشرين.وكلتا الأمتين حرصت على تقاليدها الخاصة في اللباس والطعام وما إليهما، وعبت من مناهل المعرفة الحقيقية ما غير من حالتها تغييرا تاما. أما نحن فقد هجرنا الموضوع إلى الشكل، بل تخبطنا فيما ندع وننقل على حساب ديننا وتاريخنا، فلم نصنع شيئا . . الحرية التي نريدها ليست في استطاعة إنسان ما أن يلغوا كيف شاء!!فما قيمة صحافة تملأ أوراقها بهراء لا يصلح فاسدا، ولا يقيم عوجا؟
الحرية التي نريدها ليست في قدرة شاب على العبث متى أراد.فما قيمة أمة تصرف طاقات الأفراد في تيسير الخنا وإباحة الزنا؟؟ الحرية التي يحتاج إليها العالم الإسلامي تعني إزالة العوائق المفتعلة من أمام الفطرة الإنسانية، عندما تطلب حقوقها في الحياة الآمنة العادلة الكريمة، الحياة التي تتكافأ فيها الدماء وتتساوى الفرص وتكفل الحقوق، وينتفي منها البغي، ويمهد فيها طريق التنافس والسبق أمام الطامحين والأقوياءن ويمهد طريق الاندثار والاستخفاء أمام التافهين والسفهاء، فلا يكون لهم جاه، ولا يقدس لهم حمى. . .!!

السبت، 12 فبراير 2011

حرمة دم المؤمن /د. زغلول النجار

د. زغلول النجار
ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما( النساء:92 و93).
إن سفك دم المؤمن عمدا دون حق هو من الكبائر التي توجب الخلود في النار, وعليه فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يقتل مؤمنا أبدا بغير حق, إذا وقع ذلك بالخطأ أي عن غير قصد,
فإذا حدث ووقع قتل المؤمن لأخيه المؤمن بطريق الخطأ في مجتمع للمسلمين, فإن الشرع يفرض علي القاتل عتق رقبة مؤمنة, كفارة عن حق الله, فمن لم يجد فعليه صيام شهرين قمريين متتابعين توبة إلي الله ودفع دية مسلمة إلي أهل القتيل تدفعها عاقلته( أي عصبة أهله من جهة أبيه) إلا إذا عفا أهل القتيل عنه, وأسقطوا الدية باختيارهم, وحينئذ فإن الدية لا تجب عليه, وتبقي عليه الكفارة, وذلك لقول الله تعالي:
( ومن كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يصدقوا....)( النساء:92).
وإذا كان القتيل مؤمنا وأهله من أعداء المسلمين, فإن الشرع يفرض علي القاتل عتق رقبة مؤمن, فمن لم يجد فصيام شهرين قمريين متتاليين توبة إلي الله, ولا دية عليه لأهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين, فلا يجوز إعطاؤهم من أموال المسلمين ما يستقوون به عليهم ويستعينون علي قتالهم وإيذائهم, ولا مكان هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم أعداء محاربون للمسلمين, وإذا كان القتيل معاهدا أو ذميا, فإن الشرع يفرض علي المؤمن القاتل بالخطأ في هذه الحالة ما يفرضه في قتل المؤمن في المجتمع المسلم: عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين قمريين متتاليين, ودية مسلمة إلي أهله إلا أن يعفوا, ولم تنص الآية الكريمة في هذه الحالة علي كون المقتول مؤمنا مما جعل عددا من المفسرين يأخذون النص علي إطلاقه, باعتبار أن العهد بين المؤمنين وغير المؤمنين يجعل الدماء بينهم مصونة, ولكن لما كانت الآية من مطلعها تنصب علي تحريم قتل المؤمن بغير حق, ثم بينت الحالات التي يكون القتيل فيها مؤمنا, فقد رأي بعض المفسرين أن القتيل المعاهد أو الذمي إذا لم يكن مؤمنا يكتفي في هذه الحالة بدفع الدية إلي أهله, كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم في دفع الدية لبعض قتلي المعاهدين دون عتق رقاب بعددهم, ثم شرع الله سبحانه وتعالي لمن يقتل مؤمنا متعمدا الخلود في نار جهنم, واستحقاق غضب الله ولعنته والعذاب الشديد الذي توعده به وأعده له يوم القيامة.
والإسلام العظيم حرم قتل النفس بغير الحق بصفة عامة, وذلك صونا للأنفس عن الإهدار, فإن للدماء حرمتها, فلا يستباح إلا بالحق وبالأمر البين الذي لا إشكال فيه, وذلك لأن الله تعالي هو واهب الحياة, ولا يجوز أن ينهيها غيره إلا بإذنه, فإذا أقدم إنسان علي قتل إنسان آخر بغير حق, فكأنما قد اعتدي علي حق من حقوق الله, ولذلك قال تعالي في ولدي آدم: فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين( المائدة:30).
وقال قوله الحق:
( من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون)( المائدة:32).
وقال عز من قائل:( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)( الإسراء:33).
وفي ذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل رجل مؤمن( البيهقي والترمذي), وقال عليه الصلاة والسلام: من أعان علي قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله, ولذلك أفتي ابن عباس عليهما رضوان الله بعدم قبول توبة قاتل المؤمن عمدا, بينما ذهب جمهور العلماء إلي أن توبة القاتل عمدا يمكن أن تقبل, واستدلوا علي ذلك بأن الكفر أعظم من القتل العمد, وتوبة الكافر قد تقبل, والخلود في جهنم لقاتل المؤمن عمدا هو مشروع لمن استحل قتله, وقد يكون المقصود بالخلود هنا طول المكث لقول الله تعالي: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افتري إثما عظيما( النساء:48).
والقتل إما عمدا أو شبه عمد أو خطأ, أما العمد فهو القصد إلي القتل بما يفضي إلي الموت, وهذا ما يوجب القصاص والحرمان من الميراث, وتحمل غضب الله ولعنه والخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عظيم في الآخرة كذلك لقول ربنا تبارك وتعالي:
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم, ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون( البقرة:178 و179)
وقتل المؤمن لأخيه المؤمن كبيرة من الكبائر, تتنافي كلية مع الإيمان بالله تعالي فلا يكفر عنها دية, أو عتق رقبة, وإنما يوكل جزاؤها إلي الله الذي توعد الواقع فيها بالخلود في جهنم, وبغضب الله عليه ولعنه, وبما أعد له من عذاب عظيم, ولذلك اتجه بعض المفسرين ـ ومنهم ابن عباس ـ إلي أنه لا توبة منها, وإن رأي البعض الآخر رجاء المغفرة للتائب منها, وفسر الخلود في النار بأنه الزمن الطويل.
والقتل شبه العمد هو الضرب الخفيف المقصود به التأديب, وليس القتل, فهو عمد في الضرب وخطأ في القتل, والنيات لا يعلمها إلا الله تعالي, وهذا فيه الدية والكفارة إذا ثبت عدم العمد إلي القتل, وليس فيه قصاص, وإذا عفا أهل القتيل سقطت الدية عن القاتل, وعليه الكفارة.
والقتل الخطأ أن يقصد رمي غير المقتول المؤمن من إنسان أو حيوان فيصيبه, أو أن يظنه عدوا ثم يظهر له غير ذلك, والأول خطأ في الفعل, والثاني خطأ في القصد, وهذا فيه الدية والكفارة, فإن عفا أهل القتيل سقطت الدية, وبقيت الكفارة, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتاليين, أخرج أبوداود من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ألا إن دية الخطأ شبه العمد, ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل, منها أربعون في بطونها أولادها.
وأخرج كل من أحمد, وأبوداود, والنسائي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: ألا وإن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه الدية مغلظة.
وروي عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: لقد سمعت نبيكم صلي الله عليه وسلم يقول عن المؤمن الذي قتل قتلا متعمدا بدون وجه حق أنه يجيء يوم القيامة معلقا رأسه بإحدي يديه ـ إما بيمينه أو بشماله ـ آخذا صاحبه بيده الأخري, تشخب أوداجه( أي تسيل عروقه دما) حيال عرش الرحمن يقول: يارب سل عبدك هذا علام قتلني؟( الطبري ابن كثير).
هذه الآية القرآنية أهديها للعصابات المجرمة التي حاصرت المعتصمين بميدان التحرير وأطلقت عليهم زخات الرصاص المطاطي والحي وأغرقتهم برشات المياه في محاولة لكسر إرادتهم وأخص من هؤلاء المبالغين في الإجرام منهم والذين قاموا في يومي الخميس والجمعة30 صفر و1 ربيع الأول1432 هـ
وقاموا برجم المعتصمين في الميدان بآلاف الأحجار وقنابل المولوتوف لأكثر من عشر ساعات متواصلة, مما أدي إلي سقوط مئات الشهداء, وآلاف الجرحي من شباب مصر الحر الذي قام بالمطالبة بحقه في الحياة الحرة الكريمة بطريقة حضارية سلمية. ولم يكتف المعتدون بهذه الجرائم, بل قاموا بمحاصرة المعتصمين ليمنعوا عنهم امدادات الطعام والشراب والدواء, وقد بلغ من إجرام هذه الميليشيات المنظمة أن أغار نفر من أفرادها علي المعتصمين في الميدان ممتطين صهوة البغال والجمال ومدججين بالأسلحة البيضاء في هجمة همجية إجرامية لا يقوم بها إلا عتاة المجرمين في عصور الجاهلية الأولي, وقد بلغت هذه الميليشيات المأجورة حدا غير مسبوق في الإجرام تجسد في قيادة عدد من السيارات المصفحة التي قادوها بسرعات جنونية مذهلة وسط حشود المعتصمين في الميدان فقتلوا تحت عجلات سياراتهم الآثمة عشرات من الشهداء, هؤلاء جميعا أهدي إليهم قول الحق تبارك وتعالي: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما( النساء:93).
والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

مفكرون: الاستبداد السياسي والتيارات الدينية وراء تخلف العقل المصري والعربي


أكد مثقفون ومفكرون أن مصر والعالم العربي مازالا يعيشان مرحلة ما قبل الحداثة ، وحملوا الاستبداد السياسي والمجتمعي والتيارات الدينية مسؤولية تخلف العقل العربي.
وقال الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلي للثقافة خلال مؤتمر «الثقافة بين التحديث والحداثة» أمس إن التيارات الدينية مسؤولة عن إجهاض المشروع الحداثي العربي ، وأن المجتمعات العربية تعيش مرحلة ما قبل الحداثة ومفهوم الفرد بالنسبة لها اختراع حديث لم تعرفه بعد ،
مؤكدا أن الاستبداد السياسي والاجتماعي حال دون ميلاد الفرد بمعناه الخلاق ، فالحاكم المستبد يحرص علي تحقيق الإجماع العام ، والاختلاف معه خيانة يجوز القصاص من صاحبها ماديا ومعنويا
.
وقدم عصفور أمام المؤتمر الذي تنظمه الهيئة القبطية الإنجيلية والمجلس الأعلي للثقافة ، تعريفا للحداثة باعتبارها اللحظة المعرفية التي تتمرد فيها «الأنا» المدركة علي الطرائق المعتادة فتضع كل شيء موضع المساءلة ، وهي بهذا التعريف لا تعرف المطلقات وبالتالي يري البعض أن الحداثة بطبيعتها في الغرب هي ضد الدين لأن الدين قائم علي المطلقات بينما الحداثة لا تتوقف عند شيء مطلق أو مقدس وتنطلق إلي أبعد مدي لا تخاف من حدود دينية أو سياسية ، والحداثة بهذا المعني مع الدولة المدنية وضد الدولة الدينية التي تقف حائلا دون تحققها
.
وقال الدكتور رفعت لقوشة أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية إن الحديث عن ولادة الفرد هو الحديث عن ولادة متعثرة بسبب الدولة الفاسدة
.
وأكد أن الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلي الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس جميعا حتي يؤمنوا» لم يكن إعلان حرب علي الآخر بل كان الهدف منه وقف حرب لأن السياق الذي قيل فيه كان وقت حرب بين المسلمين والكفار الذين نطقوا بالشهادتين فرأي الصحابة أن نطقهم بالشهادة كان نفاقا وأرادوا استكمال الحرب فقال الرسول صلي الله عليه وسلم هذا لوقف الحرب
.
وقال الدكتور أنور مغيث الأستاذ بكلية الآداب إن التيارات الإسلامية تمتلك نظرية مثيلة لنظرية نهاية التاريخ التي قالها الكاتب الأمريكي فوكاياما فهم يرون أن تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة هو نهاية التاريخ كما قال فوكاياما
.
وأكد الكاتب الصحفي سامح فوزي أن القانون باعتباره أداة لتحقيق الحداثة في المجتمع أصبح يعاد إنتاجه واستخدامه لتكريس التخلف في المجتمع باسم الحداثة وهو ما يعيد إنتاج ثقافة التخلف، مشيرا إلي أن القانون لابد أن يصنع في مؤسسة قادرة علي صناعته لكن حينما يكون من يصنعون القانون غير قادرين تصبح هناك مشكلة
.
وقال فوزي إن مؤسسات العدالة أيضا في مصر تكرس التخلف باسم تطبيق القانون، فالقائمون علي القانون غير متواكبين مع القانون الحديث وأكدت الدكتورة زينب الخضري أستاذة الفلسفة بجامعة عين شمس أن المشكلة بين الإسلام والحداثة ليست مع القرآن الكريم ولكن مع الفكر الإسلامي فالقرآن حمال أوجه ويمكن أن نفسره زي ما إحنا عايزين
.
وأشارت إلي أن فكر محمد عبده كان مؤهلاً لأن يكون بداية لمشروع حداثي عربي إسلامي ، ولكن ظهور جماعة الإخوان المسلمين كرد فعل لانهيار نظام الخلافة في تركيا كان ردة عن الحداثة
.
واستعرضت الخضيري ما كتبه حسن البنا مؤسس الجماعة عن تكوين الجماعة الإسلامية والجيش الإسلامي وما يرتبط بذلك من التكوين الرياضي لأعضاء الجماعة وربطت بين كلام البنا وبين ميليشيات الإخوان بجامعة الأزهر
.
وأشارت إلي ما قاله الدكتور أنور عبدالملك في السبعينيات من أن الشارع المصري تسيطر عليه الجماعات الإسلامية
.

الأحد، 6 فبراير 2011

كانت بالأمس شجرة خضراء


ولدت بالريف ونشأت فيه خلال الخمس سنوات الأولى، أو ما يقرب منها، ثم أخذت أعاوده كل عام في إجازة الصيف، وربما أضيفت إلى الصيف فترات أخرى من فصول أخرى إذا اقتضت ذلك ظروف الحياة؟ وكان بي شغف شديد لقضاء بضعة أيام عند أقارب في قرى مجاورة، ممن يملكون أرضا يزرعونها، ولست أنسى النشوة الغامرة التي كانت تملؤني إذا ركبت النورج وهو يدور دائرته ليدرس القمح، وكان لأسرة الأقارب صغار في مثل سني فكنا نمرح معا ونلهو، نشترك في أشياء وأنفرد وحدي بأشياء، فما كنت أحبه ولا يحبونه، أن أصعد السلم الخشبي إلى سطح بناء صغير ذي غرفتين، كانت إحداهما مخزنا لأدوات منوعة من فؤوس ومحاريث وما إليها، وكانت الأخرى جرنا يخزن فيه التبن والدريس، وأما سطح ذلك البناء فكانت تعلوه كرمة تظله. وعلى ذلك السطح المفروش بكرمة العنب كنت أستلقي على كليم هناك، وأظل وحدي ساعات تطول أحيانا ما طالت ساعات الضحى أو ساعات العصر، وقد تقصر إذا أراد الجمع رواحا مبكرا، وأما ما كنت أشترك فيه مع أندادي من الصغار، فهو الجلوس تحت شجرة كثيفة الظل لكثافة فروعها وأوراقها، وكانت قريبة منذ لك البناء الصغير الذي أشرت إليه
.
كان رب الأسرة على شئ من الجهامة والعبوس، ولم يكن يوجه كلماته إلى أبنائه الصغار إلا وهي مشحونة بما يشبه الغضب، أما أنا فقلما توجه إلي بحديث وإذا فعل ألبس شفتيه ابتسامة حتى يفرغ من حديثه المختصر، ثم يعود فيخلع تلك الابتسامة المصنوعة عن شفتيه، ولم أكن قد بدأت زيارتي الموسمية لتلك الأسرة، إلا بعد أن كان الرجل قد تزوج زوجته الثانية وأنجب منها طفلين وكانت الزوجة الأولى هي قريبتي، وأبناؤها هم الصغار الذين كنت أرافقهم سارحا إلى الغيط وعائدا إلى الدار.
فلما جاوزت العاشرة حدث أن انقطعت عن تلك الزيارة بضعة سنوات؟ ثم عدت إلى زيارة ـ لعلها كانت الأخيرة ـ وأنا في نحو السادسة عشرة، فكان أول ما وقع عليه النظر، تلك الشجرة التي كنا نفترش ظلها الكثيف، وإذا بالشجرة ترقد على الأرض فتيلة وقد جفت حتى أصبحت حطبا ينتظر المنشار أو الفأس، ليؤخذ منها قطعة قطعة بمقدار ما تتطلب النار من وقود . . لبثت شاخصا ببصري إلى الحطبة الباقية، فسألني الأنداد: مالك؟ قلت فيما يقرب من الهمس المكتوم: إنها كانت بالأمس شجرة خضراء!
وكان رب الأسرة قد أخذ منه المرض مأخذا، اصفر وجهه واصفر بياض عينيه، يجلس صامتا معظم وقته، فإذا رأى ما يستوجب التوجيه، قاله في صوت عال ومرتعش، ولبث بعد ذلك فترة تلحظه خلالها وكأنه يلتقط أنفاسه من رئتيه التقاطا؟ ولا أدري لماذا احتفرت في ذاكرتي لحظة حاول فيها غلام أن يمر مع بقرتين دفعة واحدة، على معبر ضيق فوق قناة صغيره من قنوات الصرف فتزاحمت الأجساد الثلاثة، حتى كادت إحدى البقرتين تقع، وهنا صاح الرجل صيحة غريبة خلته بعدها قد جمد منه النفس، وكانت العبارة التي نطق بها في تلك الصيحة أغرب في كلماتها منها في قوتها وارتعاشها، إذ قال: "يا شيخ سقها مكلوبة" فوجدت نفسي عندئذ قد انصرفت باهتمامي إلى لفظ "مكلوبة" الذي اشتقه الرجل من كلمة "كلب"، وهو اشتقاق لم أكن سمعته قبل ذلك ولا سمعته بعد ذلك وسواء أكان جائزا في اللغة أم غير جائز، فقد أحسست عندئذ ـ وما زلت أحس ـ أنه كان لفظا معبرا أقوى تعبير عن ضيق الرجل بمرضه وبالخطأ الذي رآه في آن معا.. وكان الرجل إذ ذاك قد أنجب من الزوجة الثانية خمسة أبناء وبنات، أضيفوا إلى خمسة سواهم من الزوجة الأولى، وبعد أن رأيته آخر مرة بسنوات قليلة، توفي، وقيل إن تكاليف علاجه قد أثقلت الأرض بالديون، فذهب بعضها وفاء لتلك الديون، وقسم الباقي على عشرة من أبنائه وبناته ومعهم زوجتان، فخرجوا، جميعا من الصفقة وهم فقراء، بعد أن كانت أسرتهم تعد بين من سترهم قدر من الغنى؟فلما سمعت ذلك، قلت لم نقل إلى النبأ، ولعله لمن يفهم ما قلته: لقد كانت بالأمس شجرة خضراء!
ذلك كله تاريخ عشت أحداثه، ومن تلك الأحداث ما رسخ في الذاكرة الواعية، ومنها ما اختنق مع مر الزمن؟ ولكن هذه التفرقة بين ما رسخ وما اختنق، إنما هي تفرقة على مستوى العقل وهو في وعيه، وأما إذا ما كان نوم وأحلام، فلا تدري من أي القسمين يختار اللاوعي ما يختاره، ليجسده كيفما شاء في رموز يبدعها لغايته، وإذا أنت حين تذكر ما ارتسم لك في الحلم. أمام لوحات وأحداث لفقها الخيال من هنا ومن هناك؟ ومن ذلك ما رأيته منذ قريب، إذ رأيت خليطا عجيبا من أشياء يتوسطها في ضوء ساطع جذع شجرة مخرطا في شرائح متجاورة، وقد جف الخشب وتآكلت أطرافه؟ فما أن صحوت في أثر ذلك الحلم، حتى قفز إلى ذهني شيئان معا: تلك الشجرة التي رأيتها في الماضي البعيد ملقاة على الأرض في موات الحجر بعد أن كنت عرفتها أغني ما يكون الشجر فروعا وأوراقا وخضرة وظلا، وطالب جامعي معين، فرغ من إجازة الماجستير، ويعد نفسه للدكتوراه، فما الذي قرن هذين الشيئين معا؟ لم أجد تفسيرا في افتراض رابطة بينهما، أما أن يكن ذلك الافتراض صحيحا أو غير صحيح فيما يتصل تأويل الحلم كله، فأمر ذلك مرهون بتعقب سائر التفصيلات في الصورة التي رأيتها، ولم يكن في وسعي أن أستعيد الصورة في وضوح لأتقصى تفصيلاتها، ولماذا أفعل؟ إن الرابطة التي افترضت وجودها بين الجذع المهلهل المقطع المنخور لبابه، والطالب الذي جاءني ليستمد مني هداية في موضوع بحثه إذا استطعت له هداية كافية وحدها للوقوف عندها فلم يدر بيننا الحديث إلا قليلا حتى تبين لي أن المسكين يوشك أن يكون عاجز كل العجز عن قراءة سطر واحدا في لغة أجنبية، ودع عنك أن يفهم ما قرأ، وأراد أن يخفف عن نفسه فداحة الهول، فقال إن موضوعه متصل بالفلسفة الإسلامية. فهو ـ إذن ـ ليس بحاجة إلى غير اللغة العربية من لغات كيف ذلك ـ يا ولدي ـ والفلسفة الإسلامية لم تكن جسما قائما وحده ومعلقا في الفضاء؟ إنها قالت وسمعت ما قاله الآخرون ومزجت قولها بقول سواها لتخلص إلى نتيجة فيها ما في الكائنات الحية من أخذ وعطاء، إنني على كل حال لم أعلق له بشئ مما عساه أن يحمله على يأس بل اتخذت حياله موقف التشجيع؟ لكن هل كان في وسعي بعد أن أنهى الطالب زيارته، إلا أن أستعيد بالذاكرة نماذج ممن عرفتهم في مجال الدراسة العليا من قبل؟ بل هل كان في وسعي إثر تلك الزيارة إلا أن أنظر إلى التعليم كله عندنا اليوم، الجامعي منه، وما دون ذلك من درجات؟ لأقارن ماضينا بحاضرنا إلا أن المقارنة بين ماض وحاضر قمينة أن تقدم لي في الحلم ذلك الجذع المهلهل المنخور، الذي كنت عرفته قبل ذلك شجرة خضراء.
إن أحدا لا يحق له أن يلوم أحدا في هذه المأساة، فالقادة في ميدان التعليم عندنا يبذلون جهد الجبابرة في إخلاص وتضحية ليس بعدهما عند إنسان من مزيد، لكن ماذا يصنع الجهد والتضحية والإخلاص إذا ما طلب من المسئول أن يزحزح الجبل بذراعيه؟ لقد بلغ الخطب من الفداحة حدا لم يعد بعده من علاج الكارثة إلا كارثة مثلها، على غرار ما يقال عن الحديد أنه لا يفله إلا حديد مثله، وأنا أشير بذلك إلى انصراف التلاميذ وأولياء الأمور إلى جهود ذاتية في المنازل لا تغنيهم عن المدرسة أو المعهد يأسا من المدرسة أو المعهد، ولقد أفلحت الحيلة في تحقيق "النجاح"، لكنها أوقعتنا في شر عظيم، هو حرمان المتعلم من جانب التربية لكل محتواها؟ فضلا عن أن التعلم قد تحول مع المتعلم إلى مقطوعات متفرقات يصوغها المدرس الخاص بمهارته وخبرته ليتحقق النجاح للدارس، فقضى بذلك على قدرة الابتكار قضاء مبرما، اللهم إلا من شاء له الله أن تكون في فطرته موهبة لا يستطيع نظام التعليم إطفاءها.
إن العبء ثقيل، لكن ثقله هذا لا يمنع الأمل في أن يجد علماؤنا وخبراؤنا طريقا للعلاج، فيبينون لنا أن نبدأ السير وفي اتجاه نسير؟ لكنني أتساءل تساؤل القلب المخلص لا تساؤل العقل العارف، إذا كان جانب كبير من ذلك العبء يرجع إلى ضخامة العدد وقلة الموارد وضعف الوسائل من أبنية ملائمة إلى هيئة تدريس صالحة، فلماذا لا نستخلص من ذلك الجيش الجرار من التلاميذ والطلاب، نسبة مئوية تتعادل مع قدراتنا، فنقتصر، عليها في تكملة الطريق بعد المرحلة الابتدائية؟ وأما المجموعة الباقية إلى الحياة للعمل ولاسيما ونحن ننشر الآن ضربا من التعليم بين الدراسة والعمل، إن أبناءنا جميعا هم أبناء وطن واحد لا نميز بين الاثنين منهم إلا بدرجة التفوق، فالعشرة في المائة المتفوقة وحدها هي التي تدخل الدراسة الثانوية بكل أنواعها، فالجامعة لمن يصلح لها من هؤلاء أليس ذلك خيرا من غرق السفينة بكل ركابها؟ ومع ذلك، فلأعد بحديثي إلى طالب الدكتوراه، الذي بلغ ما بلغه من درجات السلم التعليمي، وهو لا يعرف لغة أجنبية ـ أو يكاد ولا يحسن حتى لغته العربية ـ أو يكاد، ولست أذكر اللغة الأجنبية لتكون وساما يزدان به صدر الطالب، بل لأن ذلك باب لا يمكن الدخول إلى دنيا العلم على اختلاف ميادينه، إلا إذا كان ذلك الباب هو أحد مسالك الطريق، وإذا شئت فانظر إلى دراسة تكون من أخص خصائص حياتنا الفكرية كالأدب العربي ـ مثلا ـ ثم راجع كبار لمعت أسماؤهم من دارسيه على مستويات الدراسة العليا ولست أظنك واجدا فيهم واحدا بلغ ما قد بلغه إلا وقد أتيح له أن يراجع ما قاله علماء الغرب في هذا الميدان أو ذاك، وأما مدى إلمام الطلاب ـ حتى في مرحلة الدراسة العليا ـ باللغة العربية ذاتها، فحسبك منه أن تطالع رسالة واحدة مما يتقدمون به، فماذا لو كانت دراسة الدارس تقتضي مراجعة المراجع العربية القديمة؟ . . فهل عرفت الآن لماذا قفز إلى ذهني شيئان معا كأنهما مرتبطان برباط وثيق، حين استيقظت من حلم رأيت فيه جذعا لشجرة أصابه موات وقد كنت عرفته من قبل وهو شجرة خضراء؟
لست أعرف في مصر مؤسسة واحدة أصابها كل ما أصاب التعليم الجامعي من تدهور وضعف، فإذا أردت أن ترسم خطا بيانيا يصور ذاك التعليم منذ نشأته حتى اليوم، فأغلب الظن أن الخط المرسوم سينحدر بك انحدارا مطردا فلقد حاولت مع نفسي أن أتصور المسار متمثلا في أساتذة وأعمال تمت على أيديهم، وحصرت انتباهي فيا أعرفه معرفة على كثير من الدقة والوضوح تاركا ما لست أعرفه بكل تلك الدقة وهذا الوضوح، فوجدت في المراحل الأولى للجامعة رجالا يستحيل أن يؤرخ لحياتنا العلمية دون ذكرهم لأنهم هم الذين كانوا معالم على الطريق كما وجدت لهؤلاء الرجال أنفسهم آثارا علمية مما يستحيل كذلك أن تصور مسيرة حياتنا العلمية والثقافية متجاهلا تلك الآثار من مؤلفات علمية وغيرها، لأن هذه كانت هي نفسها التي صنعت لنا تلك المسيرة التي أردنا تصويرها، ثم انتقل ببصرك من هؤلاء الرجال وما خلفوه لنا، إلى المرحلة الحاضرة من حياة الجامعة نجد طموح الطامحين ربما كانت أشد مما كان عند السابقين وأقوى، لكنه طموح يريد أن تتحقق له الغايات بالمعارك أكثر مما يتحقق بالجهد العلمي، وقد يكون ذلك الأسلوب الجديد في النبوغ العلمي راجعا في جزء كبير منه إلى عوامل المعيشة وقسوتها، فأصبحت صورة الموقف هي: إما أن أحيا وإما أن أحيي العلم، فترجع كفة الحياة على كفة العلم، ومن الذي لا يعذر مضطرا؟ وعلى من لا يرى صدقا في هذا الوصف الموجز لما هو قائم، فليتفضل بذكر ما يراه فيما ننتجه اليوم من مؤلفات الجامعيين وأعمالهم العلمية بحيث يضطر مؤرخ الحركة العلمية اضطرارا أن يذكره لأنه كان هو الذي صنع تلك الحياة، وإذا كان ذلك كذلك (وأرجو مخلصا أن أكون قد أخطأت في التقدير والتصوير) أفلا تكون هي الشجرة التي كانت بالأمس خضراء فأصبحت اليوم حطبة يابسة؟ إنني لمن أشد الناس إيمانا بمصر وأبنائها، ومن أقوى الناس يقينا أن مثل هذا المجد الذي طال تاريخه ما طال لمصر تاريخها، لا يفنى ليتحول إلى رماد بسبب جيل أو جيلين اشتدت فيهما وطأة الحوادث على الناس حتى بدلوا خصالا بخصال، فكما أن المجد لا يشيده أصحابه في يوم وليلة فكذلك لا تستطيع الحوادث أن تفنيه في ليلة ويوم، لكنني أغالط نفسي إذا زعمت أن روح التعاون الأسري التي عهدها الزمن الطويل رابطة المصري والمصري، لم يتحول جزء كبير منها في زماننا هذا إلى شئ يقرب من غدر المصري بالمصري، أو على أقل تقدير قلة المبالاة بين المصري وأخيه، إلا حيث لا نقع ولا ضرر، وأغالط نفسي إذا زعمت أن روح الإتقان ـ لوجه الله وتمام الصنعة ـ وهي الروح التي عرفت في المصري ربما أكثر جدا مما عرفت سواه لم تصبها ظروف الحياة في أيامنا بضربة ارتج لها كيانها يتوهم بأنه إنما يثب مهارته بالتراخي والإهمال فيما هو صالح عام أكثر جدا مما يبتها بالإخلاص في إتقان عمله، ومع ذلك فهو حريص على أن يتلو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه لأن الإيمان الديني قد تحول في عصرنا ليكون تلاوة تسمعها الآذان ولا تلبي دعوتها الجوارح، ولكنني في الوقت ذاته أغالط نفسي كذلك، إذا زعمت أن تلك السيئات التي استحدثتها ظروف الحياة الراهنة وقسوتها، هي المصري في حاضره، قلبا وقالبا، وجوهرا وأغراضا، وباطنا وظاهرا، ولأي مصري شاء أن ينظر إلى نفسه من الباطن ويقيني أنه إذا فعل وجد في طويته ضميرا يعذبه ويؤرقه، وقلبا مخلصا يتمنى لهذه المرحلة المليئة بالضعف والأنانية والغدر واللامبالاة أن تزول، ليعود المصري مصريا كما عرفته مصر وسائر الدنيا في تاريخه الطويل.
ومثل هذه المرحلة المنكوبة بظروفها. هو ما يجتازها العالم كله اليوم وأظنني قد تناولت هذه الظاهرة الغريبة بالتحليل والتعليل في مناسبة لا أذكر موضوعها بينت فيها كيف يمر العالم الآن في مرحلة انتقالية بين ثقافتين وبين حضارتين فثقافة وحضارة كانتا قد استقرتا بحياة الناس حتى الحربين العالميتين الأخيرتين، ثم حضارة وثقافة ينتظر لهما أن تتكاملا لتستقرا بعد حين، وأما في هذا النصف الثاني من القرن العشرين فالعالم مضطرب اضطراب من يتحول من نظام قديم إلى نظام جديد ولا عجب ـ إذن ـ أن نرى الفواصل الفارقة بين ما هو حق وما هو باطل في كل ميدان من ميادين النشاط البشري ـ قد انبهمت معالمها، فما نقول عنه اليوم أنه حق قد نعود إليه غدا لنتهمه بالبطلان وما نصفه اليوم بأنه خاطئ قد نرحب به غدا على أنه الصواب الذي لا شبهة فيه، فليس الناس على يقين ثابت أي نوع من الحكومة هو الأفضل؟ وأي نوع من نظام التعليم هو الأكمل، وأي نمط من النشاط الاقتصادي هو الأنفع؟ إن لهم في كل يوم جوابا يختلفون به عن جواب الأمس، وسوف يستبدلون به غدا جوابا آخر وحسبنا مقياسا لاضطراب المعايير في المرحلة الراهنة أن نجد كل هذا العنف في تعامل الناس بعضهم مع بعض فلم تعد الألسنة ولا الأقلام تكفي لعرض وجهات النظر، فحل محلها رصاص وقنابل وصواريخ وخطف وسلب ونهب وتعذيب وتشريد، ومما يضحك ويبكي معا أن مرتكبي هذا العنف بشتى صوره هم في الحقيقة "مخلصون" لقضاياهم "العادلة" وليس بينهم وبين من ينزلون عليهم صنوف العذاب شئ من عداوة لأشخاصهم ولذلك تقرأ لهم ما يصرحون به من أنهم يقترفون الظلم بضحاياهم ليحققوا للدنيا عدالة أعمق جذورا وحياة أدوم بقاء.
في هذه المرحلة الانتقالية التي تجتازها الدنيا بأسرها ـ ومصر قطعة من دنياها ـ غمضت الصلة بين الوسائل والغايات ولم نعد ندري دراية المستيقن ماذا نعلم في المدارس والجامعات ولماذا نعلمه وكيف نعلمه؟ ماذا ينتج المنتجون وإلى أين يذهبون بإنتاجهم؟ ماذا يرسم رجال الفن وماذا يكتب أصحاب القلم ونحو أي الأهداف يتجهون بنفوسهم وبأفكارهم وبما يبدعونه من الآداب في شتى صورها؟ . . شئ من الضباب يحجب الغايات ويسد طريق الرؤية الواضحة البعيدة المدى، ومن هنا حدث انفصام بين تصورات الذهن من جهة والوسائل المتاحة، من جهة أخرى، وتلك التصورات الذهنية بغير معطيات الحقائق الواقعة تكون تصورات جوفاء وكذلك حقائق الواقع إذا لم تستقطبها تصورات الذهن تصبح وكأنها عمياء لا تدري إلى أين تتجه.
قلت لنفسي: إذا سلمنا بأن هذا الوصف صحيح لحياة الناس في عصرنا فأهم منه أن نبحث عن طريق الخلاص. . إن شيئا كالذي ذكرته من غموض الرؤية، ومن الانفصام بين الوسائل وغاياتها، هو ما قد يعلل لنا لماذا تحولت أسرة أقاربي من غنى مستور إلى فقر، ومن يدري؟ لعل النذير الذي أرادت به الأقدار أن توقظ تلك الأسرة من غفلتها، كان في الشجرة التي باتت حطبا يابسا توقد به النار، بعد أن رأيتها في عزها قوية ظليلة خضراء، وإذا كانت قوانين الحياة تأبى على الحطب اليابس أن يرتد شجرة كالتي كانت، فكيف ترى السبيل؟
وأجبت نفسي عن سؤالها قائلا: السبيل واضح لمن يريده، وهو أن نزرع شجرة جديدة ننتقي بذرتها ونتولاها بالرعاية، وما أسرع أن تكر السنون، فإذا نحن مرة أخرى مع شجرة سامقة كثيفة الأوراق الخضر، تفرش لنا الأرض بظلها، كتلك التي كانت بالأمس شجرة ظليلة خضراء