الجمعة، 27 يناير 2012

اللحية عادة وليست عبادة!

اللحية من الأمور التى اختلفت فيها الاتجاهات الإسلامية، فهناك من يصرح بوجوب إعفائها، وبالتالى حرمة حلقها، وهناك من الأفراد من يقول بكراهية حلقها وهناك من يحكم العادات وطبيعة الوقت ويرى أن إعفاءها واجب ولكن يجوز حلقها للضرورة.
يؤكد الدكتور لطفى عفيفى أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن هناك كثيرا من الأحاديث التى تصرح بإعفائها منها ما رواه ابن عمرو عن النبى ـ صلى الله عليه ـ وسلم فقال: (أحفوا الشوارب واعفوا اللحي)، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين واعفوا اللحى واحفوا الشوارب)، وقد اختلف الفقهاء فى دلالة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم،فذهب المالكية والحنابلة إلى تحريم حلقها وذهب الحنفية إلى كراهة حلقها على سبيل التحريم ويكره عند الشافعية، وقد قال الدكتور يوسف القرضاوى بعد استعراض مذاهب الفقهاء والعلماء التى تتردد بين القول بالتحريم والكراهة والإباحة: (ولعل أوسطها وأقربها وأعدلها هو الذى يقول بالكراهة فإن الأمر لا يدل على الوجوب جزما ـ صحيح أنه لم ينقل عن السلف حلق اللحية ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها وهى عادتهم).

ويقول الدكتور لطفى عفيفى إن هذه الأقوال التى تدل على القول بالكراهة ليست فقط هى آخر ما قيل منها، فهناك من قال بالإباحة وهو القول الثالث فى هذه المسألة بعد الوجوب والكراهة، فيرى كثير من العلماء أن إعفاء اللحية من الأمور المباحة وعليه فلا حرمة على من يحلقها ومن هؤلاء فضيلة الشيخ «محمود شلتوت» فقد قال: إن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلق اللحية من العادات التى ينبغى أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة ومن درجت بيئته على استحسان شئ منها كان عليه أن يساير بيئته، فهو يرى أن اللحية من الأمور العادية وأن حلقها لا كراهة فيه أو حرمة.
أما الأزهر الشريف ودار الإفتاء فقد اتفقا على رأى واحد وهو أن أمر اللحية فرعى فيقولان: إعفاء اللحية وحلقها مأثور عن ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون مناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة ولا دليل لمن قال إن حلق اللحية حرام إلا الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين، وهى من العادات التى يترك الأمر فيها للحرية الشخصية، فهى ليست عقيدة ولا عبادة، وعليه فإن الأزهر ودار الإفتاء يعتبران اللحية سنة يوجز من يطلقها ولكن من يحلقها لا يدخل النار.
ويؤكد الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر أن مسألة اللحية من السنن الشكلية غير المنكرة شرعا لاسيما إذا كانت عنوانا على مسلم أراد الله به خيرا فقهه فى دينه، ولكن الإسلام برمته تصديق بالقلب وعمل، فلا دخل للحية فيه، والصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقامه ومن هدمها فقد هدمه، وهى تصح بعد طهارة بالماء أو التراب وشروط صحتها ليس فيها لحية، والصيام وهو امتناع عن شهوتى البطن والفرج وشروط صحته ليس فيها لحية، وهكذا بالنسبة لجميع أركان الإسلام الخمسة فهى تصح جميعا بدون اشتراط اللحية.
أما بالنسبة إلى الغاية والقصد من هذا الدين فقد لخصه صلى الله عليه وسلم فى قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقد ذكر العلماء ومنهم ابن حجر: ان مكارم الأخلاق معناها أن تصل من قطعك وأن تعطى من منعك وأن تعفوا عمن ظلمك فأين اللحية هنا؟! ثم تبقى الأوامر والنواهى فى كتاب الله عز وجل الذى هو المصدر الأول لتشريع الإسلام ومنها قوله تعالي: «وقولوا للناس حسني»، «وأتوا اليتامى أموالهم»، و«اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا«، ومن النهى قوله تعالي: «ولا تقربوا الزني»، «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل،» «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض»، فكل الأوامر والنواهى فى كتاب الله تعالى غايتها أن يكون المسلم ذا نفس زكية، ومن تزكية النفوس أن يكون المسلم طاهر البدن والنفس والثياب، قال تعالي: «وثيابك فطهر»، وأن يرضى فلا يطمع فيما عند الناس، وإنما يطمع كل الطمع فيما عند الله لقوله تعالي: «وأسالوا الله من فضله،» وقد قال الشيخ شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله: إن من حلقها بنية أن يخالف اليهود يكون قد نطق بالسنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق