الجمعة، 28 ديسمبر 2012

الدستور والأزهر بقلم جمال قطب


تضمن الدستور المصرى نصا جديدا يبرز دور مؤسسة الدعوة الإسلامية، ويؤكد استقلالها، وعدم قابلية شيخ الأزهر للعزل من وظيفته.
 ويبدو أن هذا النص الدستورى على المؤسسة واستقلالها وعدم قابلية شيخها للعزل بحاجة شديدة إلى المناقشة التى نحاول فتح بابها الآن:

1 ـ أما أن الأزهر هو المؤسسة الرسمية والتاريخية للدعوة الإسلامية فذلك ما لا ينازع فيه عاقل، وأما تصريح الدستور بذكرها والإشارة إلى استقلالها فإن ذلك يحتاج إلى سرعة إعادة النظر فى قانون الأزهر من أوله إلى آخره خصوصا ذلك التعديل الذى صدر بليل إبان حكم المجلس العسكرى فى فترة الاستقلال، ذلك التعديل الذى أتى فجأة بهيئة كبار العلماء.

2 ـ ومن باب البيان فإن قانون الأزهر 103 لسنة 1961 قد صدر أيضا فى ليلة واحدة لم يستشر فيها أهل الاختصاص وفوجئ الجميع بتقليص دور الأزهر فى الحياة العامة، كما وضعت له القيود والسدود وأبرزها ـ المسئولية والميزانية ـ حتى لا يستطيع مجاراة العصر ومعايشته فيهجره الناس، وقد كان ذلك هو السبب الأبرز فى تحول الجهود الفردية والشعبية إلى الخوض فى مسائل الشريعة.


3 ـ ثم توالت تعديلات مضحكة تمثل مهازل تشريعية وعقلية انتهت بذلك «التعديل الأغرب» بشأن هيئة كبار العلماء.

4 ـ لقد جاءت هذه الهيئة من فراغ التيه التاريخى للمؤسسة خلال القرن العشرين كله وحتى يومنا هذا، فالمعاهد ومقرراتها، والجامعة ومناهجها، وهيئات المشيخة ولوائحها لا تعين على سرعة إنتاج هيئة كبار علماء كما تابعناه فى هذا العمل المسرحى. بغير نص مقبول.

5 ـ إن استحداث هيئة تعبر عن علوم المؤسسة من جانب، وضميرها الدينى من جانب، ورؤيتها للواقع المعاش داخليا وخارجيا من جانب آخر لهو عمل يحتاج إلى جهد غير جهد اللجان المتعجلة التى ثبت عجزها عن استيعاب النظرية وإدراك الواقع.

6 ـ إن فكرة «الكبار» فى أى مجال تأتى بإرادة من لهم الحق فى ذلك، وليس ممن يرون أنفسهم أولى وأحق، وأنهم فوق رقاب العباد ومؤهلهم لذلك اختيار السلطات التى ثبت فسادها، وانتفض الشعب كله رافضا تلك السلطات فبأى حق يرى هؤلاء لأنفسهم حق الولاية على الجيل المعاصر فضلا عن الأجيال القادمة.

7 ـ إن الهيئة على وضعها الراهن لا تحتل فى نفوس العامة، ولا فى تقدير أهل الاختصاص سوى مكانة لجنة حكومية شكلت نفسها ومنحت نفسها حق الوصاية على المؤسسة وعلى الناس، واستصدرت قانونها من هيئة مؤقتة مكلفة بحق تسيير الأمور ـ وليست مفوضة فى تغيير بنية المجتمع ومؤسساته. تلك مؤسسة المجلس العسكرى فى فترة الانتقال.

8 ـ لقد كانت هيئة كبار العلماء السابقة تضم مستوى علميا لا وظيفيا، والجميع يعلم أن أعضاءها كانوا منتشرين فى المعاهد الأزهرية والجامعة والمساجد، لكن هذا التشكيل قد بنى على خطأ تقدير أن أساتذة الجامعة هم الأعلم، وأن الشيخ الحالى للمؤسسة هو صاحب الحق فى الاختيار أو فى تشكيل لجنة تختار، وهذا يخالف قواعد العقل والمنهج وأن يتولى المسئول تعيين نفسه وزويه، وإذا قبل الناس هذا التصرف فى شأن من شئون السياسة فلن يقبله أحد فى شأن الأزهر والدور المنوط به فى المجتمع والدستور.

9 ـ لابد من إلغاء تلك الهيئة ـ المزعومة ـ والاكتفاء مرحليا بمجمع البحوث الإسلامية على أن يتم إعداد قانون جديد للأزهر يضمن انتقاله الفعلى والطبيعى إلى مؤسسة تستشرف أداء دورها فى خدمة الدين والأمة والإنسانية وحسب.

10 ـ إن الأزهر لازال حتى ساعتنا هذه يفتقد وثائق عديدة مثل:

أ ـ وثيقة الرؤية الإسلامية للكون والحياة والإنسان.

ب ـ وثيقة منظومة القيم والمبادئ الإسلامية.

ج ـ وثيقة منظومة الأخلاق الإسلامية.

د ـ وثيقة منهج الدعوة وأساليبها الموافقة لروح العصر وغير ذلك كثير نشير إليها فى مقال آخر.

11 ـ لازال الأزهر ـ مهيض الجناحين ـ فلا معنى لاستقلاله وهو كسير الجناحين، أما جناحه الأيمن فهو مئات الآلاف من المساجد المنتشرة فى ربوع مصر، فجميعها دون استثناء إما تحت ولاية الحكومة «وزارة الأوقاف» التى تتغير بتغير حزب الأغلبية، وإما مساجد وزوايا «ملاكى» تحت تصرف القائمين عليها. وهذا يخرج الأزهر من دائرة المسئولية التى أناطها الدستور به.

والجناح الثانى هو الإفتاء ذلك الجناح المضحك الذى تتبع ميزانيته وزارة العدل، ويزعم هو طبقا للائحة «قرار وزارى» استقلالها، والواقع أن، وإن قالوا إن مسئول الفتوى عضو بهيئة الكبار، وجميع أنشطته لا ولاية للأزهر عليها.

10 ـ أما غياب الأزهر إعلاميا وعدم الاعتداد به فى الساحات العامة فحدث ولا حرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق