الجمعة، 30 ديسمبر 2011

مع مطلع عام جديد علماء الدين يحددون أولويات المرحلة المقبلة‏2012‏

بعد ساعات يسدل الستار علي عام‏2011‏ ويطل علينا عام ميلادي جديد‏..‏ وفي حين تمر مصر الآن بمرحلة فريدة في تاريخها للتحول نحو الديمقراطية‏,‏
أجمع علماء الإسلام علي أن هناك تحديات وسلبيات كثيرة واجهت مصر ووقفت حجر عثرة في طريق نهضتها عبر عقود مضت في المرحلة الماضية, ولا تزال آثار تلك التحديات ماثلة في الأذهان, لاسيما بعد ما تكبدته البلاد أثناء الثورة وما بعدها إلي الآن.. وبعيدا عن الخوض في تحليل الماضي وتلمس آثاره المريرة, فقد آثر العلماء طي صفحة الماضي الشائهة ووضعوا خريطة طريق للمستقبل, حددوا فيها أولويات المرحلة المقبلة في مجالات الدعوة والتعليم والإعلام والثقافة, وكذلك الاقتصاد, آملين أن تكون تلك الاقتراحات نواة للإصلاح الشامل والعبور بالوطن العزيز إلي بر الأمان..وأكدوا أن مسيرة الإصلاح ليست مجرد أمنيات أو جمل إنشائية تردد في المناسبات والمنتديات العامة, ولكنها قرارات حاسمة لا تعرف التردد أو الأيدي المرتعشة.
وحتي لا يكون جهود أصحاب القرار كالحرث في الماء, طالب العلماء جموع المصريين بالانصراف إلي أعمالهم أولا وتعليق جميع الاعتصامات والمليونيات, ورفع شعارحي علي العمل.

الأحد، 25 ديسمبر 2011

مفتى الجمهورية: البورصة ليست صالة قمار والتعامل فيها جائز شرعاً

كد الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية أن التعامل فى البورصة جائز شرعا مادام بنية التجارة المالية لا التلاعب بالأسواق، مضيفا أن البورصة تعد وسيلة للتمويل، وليست سوقا للقمار.
وقال جمعة فى تصريحات صحفية، حول حكم التعاملات المالية فى البورصة، خاصة بعد الفتاوى المتشددة التى ظهرت مؤخرا بتحريمها، مما أثّر سلبيا على البورصة، "التعامل فى البورصة جائز شرعا ما دام بنية التجارة لا التلاعب بالأسواق، على أن يكون نشاط الشركة مباحًا، وأن يكون للشركة أصول وأوراق ثابتة ومعلومة".

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

بلاغة الدعاء

يروي علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه رأي أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول‏:‏
يامن لايشغله سمع عن سمع, يا من لاتغلطه المسائل ولايبرمه الحاح الملحين, أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك, وعذوبة عافيتك, والفوز بالجنة والنجاة من النار.
> ويقول الأصمعي: رأيت أعرابيا قد وضع يده بباب الكعبة وهو يقول: يارب سائلك ببابك, مضت أيامه وبقيت آثامه, وانقطعت شهوته وبقيت تبعاته, فارض عني واعف عني, فإنما يعفي عن المسيء, ويثاب علي المحسن, وأنت أفضل من دعوت وأكرم من رجوت.
> ودعا أعرابي وهو يطوف بالكعبة فقال: إلهي, من أولي بالتقصير والزلل مني, وأنت خلقتني, ومن أولي بالعفو منك عني وعلمك بي ماضي, وقضاؤك بي محيط, أطعتك بقوتك والمنة لك, وعصيتك بعلمك وافتقاري إليك, وغناك عني أن تغفر لي وترحمني
> وتعلق شاب بأستار الكعبة وهو يقول: إلهي, لاشريك لك فيؤتي, ولاوزير لك فيرتشي, إن أطعتك فبفضلك ولك الحمد, وإن عصيتك فبجهلي ولك الحجة علي, فباثبات حجتك علي وانقطاع حجتي لديك ألا غفرت لي

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

مفتي الجمهورية في حوار صريح حول المشهد السياسى فى مصر :‏ الشعب المصري أمام مسئولية تاريخية لاختيار رئيسه المقبل

تشهد مصر حاليا عصرا جديدا‏,‏ تقف فيه علي أعتاب مرحلة جديدة ومهمة في تاريخها‏,‏ وتشهد مرحلة تحول ديمقراطي‏,‏ لكنها في هذه المرحلة المهمة والخطيرة بحاجة ماسة إلي جهود وفكر وعلم أبنائها‏
وأيضا بحاجة إلي رؤي العقلاء والحكماء الذين يملكون العلم والخبرة والمؤهلات التي من خلالها تجتاز مصر هذه المرحلة الفارقة من تاريخها,
ورغم العهد الجديد الذي نعيشه وتعيشه البلاد حاليا, والمكاسب التي أصبح يتمتع بها الشعب وعلي رأسها الديمقراطية, إلا أننا يواجهنا العديد من المشكلات والمعضلات التي تسبب لنا بعض الإزعاج, تتمثل هذه المشكلات في الانفلات الأمني والسياسي, وأيضا الثورة المضادة, والانقسام بين التيارات الدينية, والانفلات الإعلامي وغيرها من المظاهر السلبية التي وصفها البعض بالانتكاسة, من أجل كل ذلك وحتي لا نفقد ما حققناه من نجاح أبهر الدنيا كلها كان لا بد من أن نضع أيدينا علي مكامن الداء ونشخصه لكي نصف الدواء الناجع له, وهذا التشخيص والعلاج يكون من خلال عقول العلماء والمفكرين الذين يمتلكون الرؤية والمؤهلات التي من خلالها تعبر مصر إلي بر الأمان, ومن هذه العقول فضيلة الدكتور علي جمعة ـ مفتي الجمهورية ـ الذي التقينا به, وأوضح فضيلته أن الشعب المصري أمام مسئولية تاريخية لاختيار رئيسه المقبل, وأكد أن الوطن والأمة فوق جميع الحكومات والتيارات والجماعات والأحزاب والأفراد.

الأحد، 4 ديسمبر 2011

تفسير القرآن بالسنة‏(1‏ ـ‏2)‏ بقلم: د‏.‏ علي جمعة‏


السنة النبوية وحي من الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم الذي يتبع ما يوحي إليه في جميع أفعاله وأقواله‏,‏ قال تعالي في أصل رسالة نبيه‏:‏ إن أتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين‏(‏ الأحقاف‏:9).

فكل ما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم من فعل أو قول هو شرح وتوضيح لما أنزله الله عز وجل, قال الرازي في تفسيره: إن الرسول هو المبين لكل ما أنزله الله تعالي علي المكلفين( مفاتيح الغيب31/20).
وقد كان الصحابة إذا أشكل عليهم شيء من كتاب الله عز وجل يرجعون إليه صلي الله عليه وسلم فيبين لهم ما خفي عنهم, ويفصل لهم ما أجمل فيه, لذلك أضحت السنة ضرورية للوصول إلي الفهم الصحيح والتدبر السليم لآيات القرآن الحكيم.
وهذه الشروح والأحكام التي بينها الرسول صلي الله عليه وسلم إنما هي من وحي الله عز وجل كما قال تعالي: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ولعلهم يتفكرون( النحل:44), ولذلك قال الإمام الشافعي: كل ما حكم به الرسول صلي الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

من علماء الإسلام إلي أبناء الوطن‏: ‏إياكم و الفرقة

إذا كان الإسلام قد شدد في كثير من تعاليمه علي الأخوة ووحدة الصف والجماعة‏,‏ ونهي عن الخلاف والفرقة وشق العصا‏.. فلماذا علت في الفترات الأخيرة صيحات الفرقة في صفوف المسلمين.
وتشتت جمعهم فصاروا شيعا وأحزابا وجماعات, حتي ندر الاتفاق داخل الجماعة الواحدة أو الفصيل الواحد, بل وداخل الأسرة الواحدة!
والغريب أنه في الوقت الذي فرط فيه المسلمون في وحدتهم, نجد الدول التي تدين بغير الإسلام تنجح في تكوين اتحادات وتكتلات تحفظ بها هيبتها وتصنع لها تقدمها, وباتت وحدة المسلمين مجرد أمل ينظر إليه الجميع دون العمل علي تحقيقه.

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

في نهاية عام وفي بداية آخر حبذا أن يقدم الإنسان لنفسه توبة ناصحة ورجعة صادقة يغسل بها ما مضى ويستقبل بها ما أتى قال تعالى : (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).وقال (وإني لغفار لمن تاب و آمن.)

قطعت شهور العام لهوا وغفلة  *** ولم تحترم فيما أتيت المحرما
فلا رجبا وافيت فيه بحقه  *** ولا صمت شهر الصوم صوما متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قواما ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرة *** وتبكي عليها حسرة وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبة  *** لعلك أن تمحو بها ما تقدما

أيها الإخوة :
لقد فاضل الله بين الأوقات فجعل منها مواسم للخيرات ليجتهد الناس فيها بسائر الطاعات وأنواع العبادات
ومن هذه الأزمنة الفاضلة التي أشار القرآن إلى عظيم منزلتها وأظهرت السنة علو مكانتها شهر الله الحرام وسوف أتحدث عن فضله ومكانته في ضوء فضل الشهر عامة وفضل عاشوراء خاصة:

الأولى : لماذا سمي محرم.
يقول المؤرخون إن أول من سمى الأشهر العربية بهذه الأسماء هو كلاب الجد الخامس لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
في عام 412هـ تقريبا. وشهر محرم سمي بذلك لأنه شهر محرم فيه القتال وسمي بذلك تأكيدا لحرمته.

الثانية : فضل شهر الله المحرم:
1- انه من الأشهر الحرم.
قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ). ومحرم من الأشهر الحرم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) رواه البخاري.
قال قتادة –رحمه الله- في تفسير الآية: اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك و إن كان الظلم في كل حال غير طائل ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء ربنا تعالى).
ويقول القرطبي- رحمه الله-:خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها.

2- إضافته هذا الشهر إلى الله:
لقد عظم الله هذا الشهر فأضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم وهذا يدل على مكانته وعلو منزلته.
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله-: وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله؛ فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته).

3- فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم). رواه مسلم.
شهرُ الحرامِ مباركٌ ميمون والصومُ فيه مضاعفٌ مَسنونُ
وثوابُ صائمه لوجه إِلهه *** في الخُلد عند مَليكه مخْزُونُ.
قال أبو عثمان النهدي رحمه الله : كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم).
4- فضل صيام عاشوراء وفيه مسائل:
1- عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم كما قال القرطبي وغيره.
2- كان صيام عاشوراء مفروض على الأمة في صدر الإسلام قال ابن عباس رضي الله عنهما : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال : فأنا أحق بموسى منكم . فصامه وأمر بصيامه.رواه البخاري. وهذا يدل على فضله حيث كان يصومه اليهود كما في هذا الحديث بل في رواية أخرى حتى أهل الجاهلية كانوا يصومون هذا اليوم كما في البخاري ومسلم
فلما فرض رمضان نسخ فرضه وبقي استحبابه.
قال ابن حجر –رحمه الله-: نقل ابن عبد البر –رحمه الله- الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب).

3-فضل صيامه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن صيام يوم عاشوراء فقال: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر يعني رمضان) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية الطبراني رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم : لم يكن يتوخى فضل يوم على يوم بعد رمضان إلا عاشوراء.صححه الألباني في صحيح الترغيب.

3- كيفية صيامه:
قال ابن حجر- رحمه الله-:
صيام عاشوراء ثلاث مراتب:
أدناها أن يصام وحده.
وفوقه: أن يصام التاسع والعاشر.
وفوقه:أن يصام التاسع والحادي عشر أي مع العاشر.
ودليل المرتبة الأولى : فضل صيام اليوم العاشر مطلقا دون ذكر لصيام يوم قبله أو بعده..
ودليل المرتبة الثانية:قول النبي صلى اله عليه وسلم : (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) رواه مسلم.
ودليل المرتبة الثالثة:(خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده) رواه البيهقي وسنده ضعيف.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: وأما إفراد التاسع فمن نقص في فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع .

الخميس، 24 نوفمبر 2011

د. على جمعة مفتى الجمهورية يكتب: من أدوات بناء الحضارة: الطعام الطيب

من أهم أسباب شيوع سوء الأخلاق فى المجتمعات والحضارات الإنسانية سوء الطعام، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء» (رواه الطبرانى فى الأوسط) وهو حديث مكون من مقطعين، الأول ـ وهو لب كلامنا الآن ـ «أطب مطعمك»، وهو أمر يطلب فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يطيب الإنسان مطعمه، وهو أحد الإرشادات النبوية الجامعة التى تندرج ضمن القواعد الأساسية لبناء الحضارة وتحقيق رخاء المجتمع، ويمكن للإنسان أن يطيب مطعمه على ثلاثة مستويات: مصدر الطعام، ونوعه، وسلوك تناوله.

الخميس، 17 نوفمبر 2011

د. على جمعة مفتى الجمهورية يكتب: من أدوات بناء الحضارة: الاعتقاد والامتثال لأمر الله

من القواعد المهمة التى تؤسس بناء الحضارة الإسلامية أن الأحكام الشرعية لدين الإسلام تؤثر فى الروح وفى القلب، فليس هناك انفصال بين دائرة الاعتقاد ودائرة الامتثال، فالاعتقاد هو الأساس، وهو ما وقر فى القلب، لكن لابد أن يصدقه العمل وهو الامتثال، وبناء الإنسان الذى يعكس فعله ما وقر فى قلبه هو أولى خطوات الإصلاح الحضارى، والمثال العملى لهذا التوافق يظهر جلياً فى امتثال المؤمن لما حرمه الله تعالى، فهذا الامتثال الذى قد يظنه البعض حداً للحرية الشخصية هو فى واقعه تربية لنفسية المسلم ليكون النموذج الذى استخلفه الله عز وجل فى الأرض ليعبد ربه ويعمر كونه ويزكى نفسه.

فقد حرم الله تعالى الدم، فقال سبحانه: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (البقرة:١٧٣)، وقال عز وجل: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المائدة:٣)، وقال: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (النحل:١١٥)

وحرم كذلك أكل لحم البشر حقيقةً ومجازًا فى قوله تعالى: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» (الحجرات:١٢)، فحرّم علينا الغيبة والنميمة.

وحرَّم أيضاً أكل الميتة، وأكل ما لم يذكر عليه اسم الله، وأن ذلك كله يؤكد توحيد الإله وتعاليه عن البشر، قال تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ» (الإِخلاص:١- ٤)، وقال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ» (الشورى:١١)، وقال تعالى: «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ» (الأنعام:١٠٣).

وحرم الله علينا أيضا فى أحكامه الشرعية أذية الحيوان، فقال صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار فى هرة حبستها، فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض» (رواه البخارى ومسلم)، وعلمنا أن الكون من حولنا ليس محض جماد فقال تعالى: «وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» (الإسراء:٤٤). وقال تعالى: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ» (الرعد:١٥).

والسؤال الذى يثير الفكر ويدعو إلى التأمل هو: ما الرابطة بين الاعتقاد والامتثال لتحريم الدم والميتة وغيرها من المحرمات وبين عمارة الدنيا وبناء الحضارة، وبين استباحة الدم والميتة وبين خراب الدنيا وضياع الحضارة؟

فتحريم الدم المسفوح، على سبيل المثال، ليس من أجل أنه يسبب ضررًا من ناحية الطب بقدر ما أنه يسبب ضررًا من ناحية الأخلاق، والتجرؤ على شكل الدم، وعلى رفع الحاجز النفسى بين الإنسان وسفك دماء البشر، ويحاول بعضهم -وقد يكون صادقا، وقد يكون غير دقيق- أن يربط بين التحريم والضرر الجسدى، وأن يبحث فى حكمة التحريم بالمسائل الطبية، إلا أن التحريم لا يقتصر على هذا الجانب، بل إنه يبنى نفسًا، ويُعَمِّق شعورًا لدى الإنسان يساعده فى نشاطه الاجتماعى، وفى عمارته للدنيا.

ومن ثم فالأحكام الشرعية هى نظام إلهى يُنشئ ويؤسس نفسية حضارية للمسلم يجعلها هى أبجديته التى يتعامل بها فى حياته فى جميع مناحيها السياسية، والاقتصادية، والحضارية، والفكرية، والاجتماعية، وغيرها، وظهر هذا فى تاريخ المسلمين فى كل بلادهم شرقا وغربا، ولذلك لم نر المسلمين عبر تاريخهم يبيدون الشعوب، أو يستعمرون الناس استعمار هيمنة واستغلال، أو يدخلون البلاد لرفع الطغيان وصد العدوان فيحوِّلونها إلى حمام دم يهون معه الطغيان، ويُستصغَر بإزائه العدوان.

لذلك - وبناء على هذه النفسية الحضارية - لا يقبل المسلم حلولاً لأزماته الكمية بتحليل الحرام، فقد يقترح بعضهم إذا ما وقع مجتمع ما فى أزمة لحوم، أن يربى ذلك المجتمع الخنزير وأن يأكله، فالخنزير كثير التناسل، ونفقته قليلة، ويمكن أن يحل المشكلة بطريقة كمية، ولكن (سلطان الكم) ليس هو كل شىء فى هذه الحياة، ولقد كتب فى هذا المعنى رينيه جينو (عبدالواحد يحيى، رحمه الله تعالى) فى كتابه الماتع (سلطان الكم وعلامات الزمان) وهو فى نسخته الإنجليزية (The Reign of Quantity & the Signs of the Times) وفيه يبين أن من سمات عصرنا سيطرة الكم على معيار التقويم، فأصبح الكم هو المسيطر على السوق وعلى الاستهلاك، ونشأ من ذلك مفهوم العقد فى العلاقات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية. وحضارة الإسلام لا تفهم هذا ولا تقبل هذا المعيار الكمى، لكنها تُبنى وتؤسس على الاعتقاد والامتثال لأمر الله تعالى، فالحكم له وحده، والأمر منه وإليه وحده.

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

أبناؤنا والصلاة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الأولاد هم زهرة الحياة الدنيا، وفي صلاحهم قرة عين للوالدين. وإن المؤسف خلو مساجدنا من أبناء المسلمين، فقل أن تجد بين المصلين من هم في ريعان الشباب! وهذا والله ينذر بشر مستطير، وفساد في التربية وضعف لأمة الإسلام إذا شب هؤلاء المتخلفون عن الطوق! وإذا لم يصلوا اليوم فمتى إذا يقيموا الصلاة مع جماعة المسلمين؟!
ولما كان الإثم الأكبر والمسؤولية العظمى على الوالدين فإني أذكر نفسي وأرباب الأسر ممن حملوا الأمانة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته… » [متفق عليه].

تفسير الاحلام لكلمة آدم عليه السلام

- (آدم عليه السلام) من رآه في المنام فإنه أذنب ذنباً فليتب منه وربما دلت رؤيته على الوالد أو السلطان أو على العلم ومن رأى أنه يذبح آدم عليه السلام فإنه يغدر بالسلطان أو يعق والديه أو معلمه ومن رأى آدم عليه السلام على هيئة نال ولاية إن كان لها أهلاً فإن رأى كأنه كلمه نال علماً وقيل من رأى آدم عليه السلام اغتر بقول بعض أعدائه ثم يفرج عنه بعد مدة فإن رآه متغير اللون والحال دل ذلك على انتقال من مكان إلى مكان ثم العود إلى المكان الأول أخيراً ومن صار آدم عليه السلام أو صاحبه أو انتقل إلى صفته فإن كان للخلافة أهلاً نالها وإن كان عالماً انتفع الناس بعلمه أو نال علماً لا يجاريه أحد من الناس وربما دلت رؤيا آدم عليه السلام على عابر الرؤيا لأنه أول من رأى المنام في الدنيا وعلم عبارتها وتدل رؤيته على الحج والاجتماع بالأحباب وربما دلت رؤيته على كثرة النسل وتدل رؤيته أيضاً على السهو والنسيان وربما دلت على المكيدة والحيلة وعلى معاشرة من يعالج الحياة أو يصنع السموم أو يرتزق من استحضار الشياطين ويتكلم على ألسنتهم وربما دلت رؤيته على اللباس الخشن والبكاء وربما دلت على تنكيد الرائي من سبب مأكول وربما دلت رؤيته على السفر البعيد وربما كان إلى الجهة التي نزل بها آدم عليه السلام وربما رزق الرائي الذكور أكثر من الإناث وإن كان الرائي مريضاً بعينه أفاق من شكواه وربما دلت رؤيته على الخدم والسجود للملوك ومن رأى آدم عليه السلام ناقص الحال ربما نقص حال كبير الرائي الحاكم عليه أو تغيرت مكاسبه أو صنعته ومن رآه في حال حسن عاد خير كبير عليه.

قضايا المرأة عند الشيخ الغزالى

فى تسع طبعات متتالية منذ عام 1990 وحتى عام 2008 صدر كتاب الشيخ محمد الغزالى «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة» والذى يتطرق خلال أربعة أبواب، كل جزء منها مقسم إلى سلسلة متتالية من المقالات، إلى قضايا تتعلق بالمرأة المسلمة فى العالم المعاصر من خلال تفسيره للنصوص القرآنية المتعلقة بأوضاع المرأة وبأحاديث نبوية يفند القوى فيها من الضعيف، مستندا إلى الاجتهاد والقياس.
وبين شرح لمواقف الإسلام الأساسية من المرأة وتدليل على هذا الشرح بمقتطفات من سيرة الرسول وعلاقته مع زوجاته وبين استعراض لأوضاع راهنة مجحفة بالمرأة، يأتى كتاب الغزالى فيما يزيد مقترحا توصيف وضع المرأة فى الإسلام وناقدا لبعض ما يعتنقه العامة من آراء حول كيفية التعامل مع النساء من منظور إسلامى.

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

حوار الدكتور مصطفي محمود مع صديقى الملحد حول الحج

         هل مناسك الحج وثنية ؟
          الإيمان للتناسق مع الكون
                    قال الملحد , ألا تلاحظ أن مناسك الحج وثنية صريحة ؟ ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتطوفون حوله, وحكاية السبع طوافات والسبع هرولات والسبع رجمات . وثوب الإحرام الذي تلبسونه على الجسد العاري ؟
          قال له المؤمن , في قوانين المادة تعلم أن الأصغر يدور حول الأكبر, فالإلكترون يدور حول النواة, كما يدور القمر حول الأرض وهي حول الشمس والأخيرة حول المجرة التي تدور بدورها حول مجرة أكبر وهكذا إلى أن نصل للأكبر المطلق ( الصمد ) وهو الذي لا يتحرك ولا يتغير ولا يدور على شيء وهو الله سبحانه. لذا تجدنا نقول دائما ً ( الله أكبر ). وأنت الآن تطوف حول الكون مثلنا ولكنك مجبر بينما نحن أقررنا هذا الطواف وجعلناه حبا ً بالله. ونطوف حول الكعبة لأنها أول بيت وجد لعبادة الله كما اخبرنا هو سبحانه. أما عن حكاية الأرقام فكل شعوب الأرض اتفقت دون اجتماع أو تشاور أن هنالك سبعة أيام, وللطيف سبعة درجات وللسلم الموسيقي سبع درجات, والإلكترون يدور حول النواة في سبع نطاقات والجنين لا يكتمل إلا بالشهر السابع. فهل كل هذه مصادفة أم أنها طقوس وثنية أخرى ؟ أما ثوب الإحرام فهو ليخرج البشر من اختلافاتهم ويوحدهم أمام الرب, غنيهم وفقيرهم, فهي رسالة لهم بأنكم عند الرب متساوون

تلخيص كتاب حوار مع صديقى الملحد

         
          الباب الأول
          لمْ يلد ولمْ يولد
          المدخل الفلسفي

          يسأل الملحد صديقه المؤمن سؤاله الكبير إن كان الله هو الخالق فمن خلق الله ؟

          فيجيب المؤمن بأن المحدود لا يستطيع إدراك اللامحدود
          قائلا ً بأن القوانين المخلوقة لا تسير على المشرع الخالق المؤسس لها , ويضرب مثلا ً مضحك جميل وهو أن هذا السؤال أشبه بالعرائس التي تتحرك بالزنبرك وتتصور أن الإنسان الذي صنعها يتحرك مثلها بالزنبرك , فإذا قلنا لها بأنه يتحرك من تلقاء نفسه . قالت بأنه يستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه إن كل شيء بعالمي يتحرك بالزنبرك !.

          ثم يتابع حواره مستدلا ً بــ عمانويل كانت, وأرسطو, وبن عربي, ثم ينتهي بالحديث القدسي (أنا يستدل بي .. أنا لا يستدل عليّ )
          *
          يسأل الملحد صديقه المؤمن , لم َ يتصور أن هناك إله واحد فقط ؟

          ويجيب هنا المؤمن جواب جميل رائع يستدل به بالكون ذو الخامة الواحدة والتناغم الواحد المتعدد الأشكال, قائلا ً بأن الإيدروجين هو مكون العناصر الـ 92 , كما أن جميع الكائنات الحية مكونة من الكربون , وأن الخريطة التشريحية لها جميعا ً متشابهه فالزرافة لها سبع فقرات في رقبتها تماما ً كالقنفذ !.

          الباب الثاني
          إذا كان الله قد قدّر عليّ أفعالي فلمَ يحاسبني ؟
          المدخل القدري

          *
          يسأل الملحد صديقه المؤمن , إن كان الله قدر علي أعمالي فلمَ يحاسبني عليها ؟
          فيجيبه المؤمن بأن أعمال البشر موجودة عند الله بعلمه النهائي ولكنها ليست مكتوبة عليهم جبرا ً ثم يضرب على هذا مثلا ً ويقول , كأنك تعلم بأن لك ولد سيقترف ذنبا ً ولكن لم تأمره بأن يقترفه وبعد حين يقترفه فعلا ً
          *
          ثم يقول له صديقه الملحد . لا تقل لي بأني مخير فأنا لم أختر أن أولد ولم أختر أن أموت ولم أختر شكلي ولا جنسي ولا عرقي ولا لوني.. فكيف أكون مخيرا ً ؟
          فيجيبه المؤمن , أنت لا تملك حرية التصرف بالكون وأنت وأنا أحد مخلوقات هذا الكون, فهو للملك , ولكنك تملك حرية التصرف بالجسد الذي أعطيت إياه أيا كانت لو بشرتك وأيا ً كان جنسك وعرقك , فأنت حر في أن تلجم شهواتك أو أن تطلق لها العنان وهذا ما سيحاسبك الله عليه, ولن يحاسبك لمَ كنت أبيضا ً أو أسودا ً, أو ذكرا ً أو أنثى. وهناك دليل داخلي على هذه الحرية وهو الضمير, فأنت حين ترتكب العمل السيئ تشعر بالمسؤولية وحين تقوم بالعمل الطيب تحس بالزهو.

          الباب الثالث
          لماذا خلق الله الشر ؟
          المدخل الغائى الغاية من الشر
          *
          يسأل الملحد صاحبه قائلا ً , إن كنتم أيها المؤمنون تقولون بأن الله هو الخير وهو العادل فلمَ خلق الظلم والشرور والأمراض والزلازل والبراكين والحروب ؟

          فيجيب المؤمن بأن الله لمْ يأمر بالظلم والشرور ولكنه سمح بها , لتكون للحرية إرادة فاعلة مختارة بين الصواب والخطأ, وبأن بالخطأ يعرف الصواب وبالشر يعرف الخير , وبأن طبيعة الأشياء هي الخير وأن الشرور حوادث طارئة , كالصحة التي هي أصل والمرض الذي هو عارض , واستقرار الأرض منذ خلقتها لا يقارن بالزلازل التي لا تستمر إلا ّ لثواني , وأن الشعوب تعيش بسلام لسنين وربما لقرون ثم تتحارب لسنوات.
          ومن ثم يقول له بأن حتى في حدوث الشرور تأتي الخيرات, فالزلازل تعيد هيكلة القشرة الخارجية للكوكب لتمنع الكوارث العظمى , والبراكين تخرج الثروات المخبوءة وتنفس عن ضغط الكوكب فلا ينفجر, والحروب تعيد تشكيل المجتمعات لتتطور وتتقدم.. وهكذا . ثم يختم الباب بعبارة جميلة عميقة ( خير من الله, شر من نفوسنا )

          الباب الرابع
          ما ذنب الذي لم يصله القرآن ؟
          مدخل المسؤولية
          *
          يسأل الملحد , وما مصير الإنسان الذي لم يصله القرآن ولم ينزل عليه كتاب ولم يأته نبي ؟ ما ذنبه ؟ وما مصيره عندكم يوم الحساب ؟ مثل أحد سكان القطبين ؟ أو أحد سكان غابات أفريقيا ؟
          فيجب صاحبه المؤمن , بأن كل أمة أتى لها رسول مبلغ ومنذر مستشهدا ً بقول الحق سبحانه وتعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) 36 النحل. وأن هناك آلافا ً من الرسل لا نعرف عنهم شيئا ً. والجميل في هذا الباب أن الرجل المؤمن يخبر صديقه بأن الله قد يوحي بالكتب وقد يوحي بالنور يلقيه في قلب العبد أو الانشراح يضعه في صدره أو الحكمة أو الفهم أو الحقيقة الذي يرشدها له ويهديه إليها. ثم يقول لصاحبه بأنه لا يدري لعل نظرة ينظر بها رجل زنجي أو من شعب الاسكيمو إلى السماء بقلب صافٍ سليم تكون كصلاة العباد طوال حياتهم. ثم يذكر قول الحق جل في علاه ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) 62 البقرة
          ثم يختم الحوار بسؤال مؤلم لصديقة الملحد قائلا ً له , بأنك تعرف القرآن والإنجيل والتوراة ولكن هذا لم يزدك إلاّ إنكارا ً فهل تظن بأن حالك سيكون كحال من يعيش في القطب الجنوبي أو في أحد مجاهل غابات أفريقا يوم الحساب؟.


          الباب الخامس
          الجنة والنار
          الجريمة والعقاب

          *
          يقول الرجل الملحد لصاحبه المؤمن , كيف يعذبنا الله, بسبب ذنب محدود في الزمن القصير بعذاب غير محدود في الأبد ؟ ولم َ ينتقم منا كل هذا الانتقام والإنسان ليس إلا ذرة أو هباء مقارنة بالكون ؟

          فيجيب المؤمن, بأننا لسنا هباء ولا ذرة بالكون بل شأننا عظيم عند الله فهو الذي نفخ فينا من روحه وأسجد لنا الملائكة وسخر لنا كل شيء وأورثنا الأرض ببرها وبحرها وسمائها وقال عنا سبحانه ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضلا ) 70 الإسراء
          إننا قد نبدو كذرة بأجسادنا في الكون ولكننا نحوي الكون بفكرنا وعقولنا وأننا بالنظر إلى أرواحنا نحوي الكون كله, لذا قال المفكرون بأن الكون صفحات والإنسان هو كتابه الجامع.

          أما عن الذنب المحدود في الزمن ومقابله من العذاب اللامحدود في الأبد فلقد أجاب الله عليه حين قال ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) 28 الأنعام
          أي أن ذنبهم ليس ذنبا ً محدودا ً بالزمن, بل خصلة ثابتة سوف تتكرر في كل زمن.

     
          الباب السادس
          الدين أفيون الشعوب
          الصراع الطبقي
          *
          يسأل الملحد , أوَليس الدين هو من يعد الطبقة الفقيرة بالجنة والحياة بعد الموت ليرضوا بفقرهم وحياتهم البائسة تاركين الأغنياء يتمتعون بنعيمهم بحجة أنه من حقهم وأن الله خلق الناس درجات ؟ ألا يمكن ألاّ يكون قد جاء من السماء ولكنه أتى من الأرض لكي يحقق سيطرة طبقة على طبقة أخرى ؟

          يجيب صاحبه بأن لو كان أفيونا ً لكان يحلل من المسؤوليات ويهرب منها , ولكنه بعكس ذلك فهو تكليف وأعباء على معتنقه أن يقوم بها, وبأنه لم يأتِ لكي يصهر الطبقات كما تفعل الاشتراكية أو ليجعل بعضها تستعبد بعضها كما تفعل الرأسمالية, بل أتى ليحقق التكامل بينها ليصبح المجتمع الإنساني متناسق مع الكون المتكامل بعضه مع بعض. فالغني عليه دفع الزكاة للفقراء وليس دفع الضريبة للدولة كما في المجتمع الرأسمالي. وهو يستطيع تكوين ثروته الخاصة ليس كما في المجتمع الاشتراكي. لذا يعيش الغني والفقير في تكامل وتساوي بالفرص. ولو كان أتى من الأرض من أجل تحقيق سيطرة طبقة على أخرى لما كان للفرد فيه كل هذا الاهتمام والاحترام, فالفرد بالإسلام يساوي الإنسانية كلها , قال الحق جل في علاه ( من قتل نفسا ً بغير نفس أو فسادا ً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ً. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ). 32 المائدة . ولو كان أتى ليشرع سيطرة طبقة على طبقة لما قال الله ( ولا يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من دون الله ) 64 آل عمران.
          الباب السابع
          وحكاية المرأة مع الإسلام
          مدخل المساواة بين الجنسين
          *
          قال الرجل الملحد لصديقه المؤمن , ألا ترى بأن الإسلام موقفه رجعي مع المرأة ؟ فهناك تعدد الزوجات , وبقاء المرأة في البيت , والحجاب, والطلاق الذي في يد الرجل , وحكاية ما ملكت أيمانكم ؟
          فما كان من صاحبه المؤمن إلاّ أن قال له , الإسلام الذي خصصته بالاتهام دون بقية الأديان بالرجعية في معاملة المرأة في الحقيقة هو الدين الذي أنصفها, فبداية بقضية تعدد الزوجات فهو لم يشرعه إلا بشرط وهو في قوله تعالى ( وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة ) 129 النساء. فالعدل أساس في التعدد, كما أن التعدد في صالح المرأة كما هو في صالح الرجل, فهو أفضل من تعدد " العشيقات " الذي يمارس في الغرب والذي ينتج أبناء السفاح والخيانات الزوجية. كما أن المرأة التي تظن بأن الإسلام يظلمها بهذا الأمر تعرف أن الرجل متزوج بامرأة أخرى, لذا فأنت تنظر لطرف واحد وهو المرأة الأولى وعلى هذا تبني حكمك بأنه ظلم النساء جميعا ً, ولكن ماذا عن الزوجة الثانية ؟ أليس الإسلام قد أنصفها وأعطاها الحق بدل أن تكون مجرد "عشيقة " ؟ ألم يجعلها بدل ذلك تتمتع بالأمان الأسري والعاطفي وحق الإنجاب وتربية الأطفال؟ . أما قضية بقائهن بالبيوت فقد قال الحق ( وقرن في بيوتكن ) 33 الأحزاب. وهو موجه لأمهات المؤمنين زوجات النبي عليه الصلاة والسلام ليكن القدوة العليا لبقية المؤمنات. ومع هذا نجد المرأة في الإسلام شاركت زوجها بكفاحه وساعدته, فلقد ذهبن أمهات المؤمنين مع النبي الأكرم في غزواته وحروبه. وفي السيرة النبوية تجد المؤمنات يساعدن أخوانهم المؤمنين ويطببن جراحاتهم في الحروب. والإسلام لا يمنع المرأة التي تحتاج لأن تخرج وتعمل. ولكنه أعطاها مهمة عظيمة كمهمة الرجل ولعلها أعظم وهي تربية الإنسان وصنعه, وأنظر يا صديقي في حال المجتمعات التي تتغني بها حيث تعمل المرأة لتنافس زوجها بالكسب ويرمى الأولاد بالحضانات وكأنهم أيتام لا يذوقون نعيم الحنان ولا أمان حب أمهم كيف يكبرون ليصبحوا مشوهين عاطفيا ً. أما عن الحجاب فالإسلام دين واقعي وعملي ويعرف أن المرأة أجمل من الرجل وأضعف منه جسديا ً وأرق منه عاطفيا ً لذا يقوم بحمايتها بسترها, لذا تجد جرائم الاغتصاب في المجتمعات الإسلامية لا تقارن عدديا ً بمثلها بالمجتمعات المنحلّة. أما الطلاق فهو ليس في يد الرجل فقط, فتستطيع المرأة أن تطلب الطلاق بالمحكمة تماما ً مثل الرجل. والإسلام يعطي المرأة مالا تعطيه أي ديانة ولا أي مجتمع في الزواج, فهو الدين الوحيد الذي يشترط المهر ولها الحق في التصرف في أملاكها ولا تفقد اسم عائلتها بعد زواجها. كما أن النفقة لا تجب عليها بل على الزوج. أما حكاية ( ما ملكت إيمانكم ) فهي تجر إلى السؤال عن (الرق ). والإسلام لم يدعو إلى الرق بل إلى تصفيته والتقليل منه, ففي كل كفارة تجد ( تحرير رقبة ) وهو الذي منع تحويل الأسرى إلى رقيق كما كانت تفعل جميع شعوب الأرض , حيث قال الحق سبحانه ( فأما منا بعد وأما فداء ) 4 محمد . أي فما أن تمن عليه وتطلق سراحه أو أن تطلب منه الفدية ليطلق سراحه. ثم حين تصل إلى الرق في المعاشرة فالإسلام حرمها إلا على سيدها فقط, فهي لا تحل للسيد ولابنه وإذا أنجبت منه ولدا ً فإنها تصبح حرة.
          الباب الثامن
          الروح
          محاولة لمس مالا يلمس
          *
          قال الملحد لصاحبه , ما دليلكم على أن الإنسان له روح ؟ أي أنه ليس مجرد جسد من ذرات؟
          فقال له صاحبه, لقد أثبت الله لنا الروح لأنه ذكرها في كتابه ولكنه أخبرنا بأننا لن نستطيع أن نعرف ماهيتها لأنه قال سبحانه ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا )85 الإسراء. ولكن سأضرب لك مثلا ً بسيطا ً , وهو لو كنت راكبا ً بقطار يسير بنعومة على سكة الحديد , فما كنت لتعرف بأنه يتحرك إلا إن نظرت من خلال النافذة للعالم خارجه. وكذلك أنت لا تستطيع رؤية دوران الكوكب إلا بالقمر الصناعي الذي يطير فوقها, وهكذا الشيء لا يدرك إلا بالخروج عنه. إذا ً أخبرني كيف كان يصح لنا أن ندرك الزمن لو أننا كانا مجرد أجساد وكائنات زمنية ؟. ألا يعني هذا أن لنا وعي أكبر يتخذ الخلود منبعا ً له ليراقب به تغير الأشياء الزمنية؟
          حينها سأل الملحد مرة ثانية , إذا ً وما موقف دينكم على قضية تحضير الأرواح ؟
          فقال له صاحبه , ديننا يخبرنا أن هناك عالما ً آخر يسمى البرزخ تستقر بها الأرواح بعد مرورها بعالم الحياة الدنيا, وأن أرواح المؤمنين قد تزور أحبابها حين يأذن الله لها بالمنام أو بغيره, وأن تحضير الأرواح ليس إلاّ دجل, وإن كان هناك نوع من التواصل فهو ما يقول عنه الهنود بأن الأرواح السفلية هي من تأتي لتضحك وتسخر من البشر الحاضرين لتلك الجلسات, فهم _ أي تلك الأرواح _ تعلم شيئا ً عن الميت الذي يريد البشر تحضير روحه ويدعون بأنهم هم أرواح لأولئك البشر. ونحن كمسلمين نقول بأنه قد يكون هو القرين من يأتي في تلك الجلسات ليدعي بأنه روح الميت فيقلد صوته ويتقمص شخصيته ليسخر من الجهلة. والقرين هو الجني المصاحب للإنسان, ونحن نعلم بان الجن يعمرون أكثر من البشر. وهم يسخرون من البشر لكرههم لهم, أما الجن المؤمن فهو يترفع عن هذا بالأساس. ولي بذلك مثال , فلو أنك قرعت جرس المكتب فسيأتي لك الخادم ليجيبك لا السيد. ولعلك تسخر من هذا ولا تصدقه, وأنا أتفهم هذا , تماما ً كما أتفهم شعور رجل عاش قبل مائة سنة حين أخبره بأن هناك موجات بالهواء فيها أصوات وصور, وبأن هناك أشعة تستطيع اختراق الحديد والعظم وتكشف ما خلفها.
          الباب التاسع
          الضمير
          القاضي الداخلي
          *
          قال الملحد , أنتم تتحدثون عن الضمير بتقديس كما لو أنه شيء مطلق , مع أنه صنيعة المجتمع ؟
          فما كان جواب صاحبه ألا أن قال , الخطأ الأكبر في تصورك بأن الضمير صنعه المجتمع ليحمي نفسه من تصرفات الأفراد, وليس دليلا ً على كلامي هذا أكثر من أن الضمير هو شيء داخلي يرافق الإنسان منذ الطفولة وحتى المشيب, منذ الصباح حتى يضع رأسه على الوسادة. فلو كان صنيعة المجتمع لظهر في الجماعة واختفى في تفرد الشخص بنفسه, ولكنه لا يفعل. كما أنه ليس بصنيعة المجتمع لأنه دائما ً ما يحمي الفرد من ظلم المجتمع بقدر ما يحمي المجتمع من ظلم الفرد.
          الباب العاشر
          هل مناسك الحج وثنية ؟
          الإيمان للتناسق مع الكون
          *
          قال الملحد , ألا تلاحظ أن مناسك الحج وثنية صريحة ؟ ذلك البناء الحجري الذي تسمونه الكعبة وتطوفون حوله, وحكاية السبع طوافات والسبع هرولات والسبع رجمات . وثوب الإحرام الذي تلبسونه على الجسد العاري ؟
          قال له المؤمن , في قوانين المادة تعلم أن الأصغر يدور حول الأكبر, فالإلكترون يدور حول النواة, كما يدور القمر حول الأرض وهي حول الشمس والأخيرة حول المجرة التي تدور بدورها حول مجرة أكبر وهكذا إلى أن نصل للأكبر المطلق ( الصمد ) وهو الذي لا يتحرك ولا يتغير ولا يدور على شيء وهو الله سبحانه. لذا تجدنا نقول دائما ً ( الله أكبر ). وأنت الآن تطوف حول الكون مثلنا ولكنك مجبر بينما نحن أقررنا هذا الطواف وجعلناه حبا ً بالله. ونطوف حول الكعبة لأنها أول بيت وجد لعبادة الله كما اخبرنا هو سبحانه. أما عن حكاية الأرقام فكل شعوب الأرض اتفقت دون اجتماع أو تشاور أن هنالك سبعة أيام, وللطيف سبعة درجات وللسلم الموسيقي سبع درجات, والإلكترون يدور حول النواة في سبع نطاقات والجنين لا يكتمل إلا بالشهر السابع. فهل كل هذه مصادفة أم أنها طقوس وثنية أخرى ؟ أما ثوب الإحرام فهو ليخرج البشر من اختلافاتهم ويوحدهم أمام الرب, غنيهم وفقيرهم, فهي رسالة لهم بأنكم عند الرب متساوون


          الباب العاشر
          هل القرآن من تأليف محمد ؟ *
          _ من أجمل أبواب الكتاب في نظري ولقد لخصته بشدة وعلى من يريد الاستزادة أكثر فعليه قراءته من الكتاب نفسه _
          قل الرجل الملحد لصاحبة , لمَ لا يكون القرآن من تأليف محمد ؟ فرجل بعظمة محمد لا يستغرب عليه أن يأتي بكتاب عظيم كالقرآن.
          فقال له صاحبه بأنه يستحيل أن يكون بشريا ً لأنه ليس بالشعر ولا بالنثر بل أن بعد نزول القرآن صنف علماء اللغة كل النصوص إلى شعري أو نثري أو " قرآني " أي أنه سبك لم يأتي من قبل بمثله ولن يأتي بعده مثله. ولو كان من محمد عليه الصلاة والسلام فكيف تفسر الآيات التي يعاتبه الله فيها مثل ( عبس وتولى ) ولو كان من عنده لوجدت فيه ولو آية واحدة عن همومه وأحزانه ولقد ماتت زوجته التي هي أول من آمن به وعمه الذي يحبه وليس لهما ذكر بالقرآن. بل حتى ابنه إبراهيم الذي يحبه كثيرا ً مات ولم يذكر خبره بالقرآن. ولو أنه من تأليفه فكيف تفسر كل هذا الإعجاز على جميع الأصعدة من بلاغي ولغوي وعلمي بجميع صنوفه الطبيعية والإنسانية. كيف تبرر هذا التحدي في القرآن بأن يتحد الإنس والجن أن يأتوا ولو بآية واحدة مثله.
          الباب الحادي عشر
          القرآن لا يمكن أن يكون مؤلفا ً
          *
          في هذه المرة ابتدأ المؤمن صاحبه الملحد بالحديث , قائلا ً بأنهما تحدثا بالأمس عن القرآن وعن شكوك صاحبه بأن يكون من عند محمد عليه الصلاة والسلام. لذا سيكمل من حيث انتهيا بالأمس محدثا ً صاحبه عن اللمحات العلمية في القرآن لاستثارة عقله العلمي.
          فقال له , تعلم بأن القرآن نزل قبل أكثر من 1400 سنة, ومع هذا فقد تعرض لجميع العلوم ولكن عن طريق اللمحات والإشارات التي تنير العقل, فلو توقف عندها بالشرح لصدم تلك العقول التي عاصرت نزوله ولما أدرك العرب أي شيء منه, كما أنه ليس بكتاب علوم فقط , بل هو كتاب عقيدة وتشريع ومنهج, فهو يظهر من آياته لكل جيل وعصر ما يناسبهم وقد قال الحق سبحانه ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق, أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ؟ ) 53 فصلت.
          خذ عندك مثلا ً تكوير الكوكب , أوَلم يقل الله ( يكوّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) 5 الزمر . وقال سبحانه ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا ً أو نهارا ً فجعلناها حصيدا ً كأن لم تغن بالأمس ) 24 يونس. وقوله (ليلا ً أو نهارا ً) يعني أنه إن كان ليل في أحد نصفي الكوكب فهو نهار في النصف الآخر. وأيضا ً يقول الحق ( رب المشارق والمغارب ) 40 المعارج . ويقول ( رب المشرقين ورب المغربين ) 17 الرحمن. ولو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد. وأيضا ً في القرآن يصف الله حديث العبد مع شيطانه يوم القيامة قائلا ً ( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ) 38 الأعراف. وأبعد ما تكون المسافة بالأرض هي بين المشرقين نتيجة لكرويتها.
          ثم تعال لأحدثك قليلا ً عن الجبال , ألم يقل الحق عنها بالقرآن ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء ) 88 النمل. وهي إشارة صريحة أن الجبال تسبح بالفضاء وبالتالي فالأرض كلها بجبالها تسبح بالفضاء. ولكن لو قلت هذا للبشر قبل 500 سنة لفزعوا منك فما بالك بالبشر قبل 1400 سنة.
          ماذا عن السماء ؟ ألم يقل الحق عنها ( والسماء ذات الحبك ) 7 الذاريات . فالحبك تعني الطرائق, والآن علماء الفلك يعلمون أن السماء أشبه بطريق سريع والأقمار والكواكب والنجوم والمجرات . والحبك تعني أيضا ً النسيج المحكم, وهذا ما عرفه الإنسان بعد اختراعه للتلسكوبات العملاقة التي تكبر الصور لملايين المرات. وأيضا ً فيما يتعلق بالسماء فقد قال الحق ( والسماء ذات الرجع ) 11 الطارق. أي أنها ترجع كل ما يرتفع إليها, فبخار الماء ترجعه مطرا ً, وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية, وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الايونوسفير, كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء إلى الأرض فتدفئها بالليل. وهي كما تعيد ما يرتفع من الأرض لها في أيضا ً ترجع ما يأتي من الإشعاعات من الفضاء الخارجي فلا يدخل الأرض مسببا ً الكوارث فهي تتصرف وكأنها سقف. ألم يقل الحق ( وجعلنا السماء سقفا ً محفوظا ) 32 الأنبياء. وأيضا ً قال سبحانه (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) 47 الذاريات. وهو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المضطرد.
          ماذا عن الذرة يا صديقي, ألم يكن الاعتقاد البشري بأنها أصغر مثقال, وأنها جوهر الفرد فلا ينقسم ؟ . ولكن بالقرآن قال الحق ( لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) 3 سبأ. فمن كان يعلم ذاك الوقت أن الذرة قابلة للكسر والقسمة ؟
          الباب الثاني عشر
          شكوك
          هل القرآن متناقض ؟
          *
          سأل الملحد صاحبه , تقول أن القرآن لا يناقض نفسه فما بالك في بهذه الآيات ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29 الكهف. والآية الأخرى التي تناقضها ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ). 30 الإنسان. أوَليس هذا بتناقض ؟

          قال صاحبه , هذا دليل على الحرية, فالله يخبرنا بأن لنا الخيار بأن نكون مؤمنين أو كافرين, ولكنه يخبرنا أيضا ً أن هذه الحرية لمْ نأخذها غصبا ً من الله بل هو من أعطانا إيّاها بمشيئته, أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها, فهو أراد لنا أن نكون مخلوقات مفكرة تختار بنفسها الإيمان أو الكفر, فالكفر يناقض رضا الرب ولكنه لا يتحدى مشيئته.
          حينها قال الملحد حسنٌ ماذا عن كلام القرآن عن العلم الإلهي ففي القرآن ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ً وما تدري نفس بأي أرض تموت ) 34 لقمان. يقول القرآن أن الله اختص نفسه بهذا العلم لا يعلمه غيره, فما بالك الآن بالأطباء ينظرون ما في الأرحام ويعلمون إن كان ذكرا ً أو أنثى ؟ وما بالك بالعلماء الذين يستطيعون إنزال المطر الصناعي عن طريق الأساليب الكيميائية ؟.
          أجابه صاحبه, بأن الأطباء يستطيعون أن يعلموا إن كان المولود ذكر أو أنثى, ولكن ليس هذا هو العلم الذي اختص الله به نفسه, فهو علم محيط يعلم ما سيكون شأن ومصير هذا المولد منذ أول يوم له حتى آخر يوم له.
          ثم إن القرآن لم يتكلم عن إنزال المطر, بل عن "الغيث" وهو ما ينفع الناس لذا سمي غيثا ً وهو الذي يغير مصائر المناطق والدول والأمم, بينما المطر قد يكون ضارا ً وقد يكون نافعا ً لذا تجد في القرآن ذكر الغيث مع الرحمة والخير والمطر يوافق العذاب والعقاب. قال الحق (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ) 28 الشورى. وقال سبحانه عن المطر (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ) 173 الشعراء.
          قال الملحد بعد هذا لصاحبه, إذا ً أخبرني لم َ يريد الله أن نعبده فهو الذي قال ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) 56 الذاريات ؟ هل هو بحاجة أن نعبده ؟
          قال له صاحبه, مفهوم العبودية البشري غير الإلهي, فالسيد هو المستفيد من عبده في عبودية البشر, أما بالعبودية الإلهية فالعبد هو المستفيد بعبوديته من سيده. فالرب سبحانه لمْ يخلق الجن والإنس إلا ليعطيهم ويحبهم ويرحمهم ويكرمهم ويشرفهم بالخلافة على الأرض. فالله هو الغني سبحانه عن مخلوقاته كلها, فهو يخبرنا أنه لمْ يخلقنا لنعطيه شيئا ً بل لنأخذ منه, فالصلاة عبادة وهي تفيد المخلوق ولا تفيد الخالق سبحانه ولا تضره, والدعاء له عباده وهي تفيد العبد لا المعبود سبحانه, وطلب العلم عبادة وهي ككل الأشياء لا تفيد إلا العبد لا المعبود.
          الباب الثالث عشر
          موقف الدين من التطور
          آدم أم شمبانزي ؟
          *
          قال الملحد, كيف تثبت لي أن الله هو من خلق الإنسان بهذا الشكل على طريقة " جلا جلا " _ يقصد بـ جلا جلا أي طريقة غير مقنعة غير عقلية وغير قابلة للتصدق _ ولمْ يأتي عن طريق التطور ؟ لم َ تريد أن توهموا البشر بأن أب الإنسان آدم وليس الشمبانزي ؟
          أجابه المؤمن, نحن لا نقول أننا خلقنا على طريقة ( جلا جلا ) كما تقول ولقد ذكر لنا الله سبحانه في القرآن آيات كثيرة يخبرنا عن أطوار خلقنا ومراحله منها قوله جل وعلا ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) 12 المؤمنون. وبأنه لم يكن قبل هذا الخلق شيئا ً وقد قال الحق ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا ً مذكورا ) 21 الإنسان. وقال عن أطوار خلقنا سبحانه ( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ) 13-14 نوح. يا صاحبي إننا نحن المؤمنون من ننظر لنظرية التطور على أنها نظرية ( جلا جلا ) فعلم القانون يقول بأن البينة على من أدعى, فأين بينتكم ؟ أعطني طورا ً واحدا ً وحيدا ً يربط الإنسان بالشمبانزي. الدول الغربية الغنية تمتلك جامعاتها ومراكز أبحاثها الملايين وتمتلك أحدث أجهزة التنقيب والفحص والكشف ومع ذا كله لم يجدوا منذ القرن الثامن عشر حتى مستحاثة أو هيكل عظمي واحد ليثبوا به هذه النظرية. هذا ولو استخدمنا علما ً مثل الرياضيات لهدمت النظرية على رؤوسكم, فأنتم تقولون بأن الحياة والأشياء أتت عن طريق الصدفة أي أن البروتين تطور إلى خلية عن طريق الصدفة وأن الخلية تطورت إلى عديدة الخلايا عن طريق الصدفة أيضا ً وان عديدة الخلايا تطورت إلى كائن عن طريق الصدفة وأن هذا الكائن تطور إلى عدت كائنات عن طريق الصدفة وهلم جرا . ويبلغ عمر كوكب الأرض كما تقولون أنتم 4500 مليون سنة فلو استخدمت قانون الاحتمالات في الرياضيات وحاولت قياس احتماليات تطور هذه الأشياء صدفة ً فستجد أنها ستستغرق تريليونات الملايين من السنين إلا إن أتت جميعها عن طريقة (الصدفة) , فأخبرني بالله عليك كيف تحدث كل هذه الصدف وراء بعضها البعض صدفة ً ؟. فسبحان الله ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) 50 طه .
          الباب الرابع عشر
          كلمة لا إله إلا الله
          معنى كلمة الإخلاص
          *
          قال الملحد لصاحبه, أخبرني لم َ ترددون هذه الكلمة ( لا إله إلا الله ) وتطبعونها على العملات وتعلقونها على الجدران وتستقبلون بها الوليد وتودعون بها الميت . لم َ كل هذا الترديد المبالغ لها ؟

          قال له صاحبه, حسنا ً يا صاح فكر معي قليلا ً في هذه العبارة, فهي تحمل النفي والاستثناء, نفي وجود إله, ثم إقرار بوجود إله واحد. والإله تعني المعبود, فتكون ( لا إله ) أي لا معبود, ثم يأتي الإثبات والاستثناء وهو ( إلا ّ الله ) أي لا معبود بحق إلا ّ الله. وهنا يكمن المنهج الرباني الذي يكرم الثقلين الجن والإنس بالكرامة والحرية من عبادة آلاف بل ملايين الأشياء والتذلل والخضوع لها. فالله يخبرنا ألا ّ أحد يستحق العبادة سواه لأنه هو الإله الوحيد المتحكم بكل شيء, لذا نكتبها على العملات الذهبية والورقية كي نذكر أنفسها فلا نعبدها, ولذا نكتبها ونعلقها على جدران البيوت لنخبر أنفسنا أننا لا نعبدها, فالإنسان عادة يعبد نفسه وشهواتها, ولذا نقولها في كل مكان وفي كل زمان وأمام كل شيء, لا للرئيس, لا للنساء الجميلات الباهرات, ولا للشهوات, ولا لعصى الشرطي, ولا للميكروب, نحن لا نخافك لا نعبدك, لا لست إله, فلا إله إلا ّ الله. فكما ترى إنها ليست مجرد عبارة كما تصوت إنها عقيدة ومنهج ودستور

          الباب الخامس عشر
          كهيعص
          العلم مابين اختراع العجلة والوصول للقمر
          *
          حينها قال الملحد, حسن ٌ وما قصة ( أ. ل . م .ر) و ( كهيعص ) و ( حم ) و ( ألم ) و(ق) ؟ ما هذه الحروف المفصلة التي تبدأ بها بعض سور القرآن ؟ أليست مجرد طلاسم ؟
          أجاب صاحبه, حسنا ً وما قصة ط = ك * س2 ؟ أليست أيضا ً مجرد طلاسم لمن لا يعرف الرياضيات والجبر والفيزياء ؟ أخبرني ماذا عن(d.n.a) أما كانت لتكون مجرد طلاسم بلا معنى قبل 100 سنة ؟ أنت يا صديقي تحاول أن تحاكم النص القرآن وكأن الإنسان وصل إلى نهاية العلوم, وهو في الحقيقة لم يبتعد كثيرا ً في علومه عن البدايات. ولكن دعني أخبرك شيئا ً فالقرآن أتى ليتحدى العقل الكافر وليستثير العقل المؤمن, فمثلا ً أحدهم قام بتحليل سور القرآن التي تبدأ ب ( ألم ) رياضيا ً فوجد نتيجة أبهرته وهي أن ترتيب الحروف أي أ و ل و م و ر متجانس مع تكرارها في السورة. في سورة الرعد مثلا ً وجد أن حرف أ كرر 625 مرة ووجد ل تردد 479 مرة ووجد حرف م 260 ووجد حرف ر تردد137. أي أن عدد ترددها في السورة نفس ترتيبها ( أ ل م ر ) وهذا رجل آخر وقف أمام سورة (ق) وعد حروف القاف فيها فوجدها 57 ثم قام بقسمتها على الرقم 19 وهو عدد حروف البسملة فكان الناتج 3 وهو مجموع حروف كلمة ( لله ). وهذا آخر قام بجمع عدد حرف القاف سورة (ق) مع عدد حرف القاف في سورة (الشورى) وهي التي قبل سورة (ق) فوجدها 57 أيضا ً, ومجموع 57 + 57= 114 وهي عدد سور القرآن.
          أنا لا أقول لك أن هذا هو المعنى النهائي من تلك الحروف المفصلة في بعض سور القرآن بل أن البعض أستخدم شعبة من العلم وهي الرياضيات فخرج بكل هذا وأعلم أن لها معاني أخرى قد تنجلي في العصر المناسب لها كما انجلت في عصرنا الحالي معاني لآيات لم يكن يعرف معناها في وقت نزولها مثل قول الحق (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون‏)‏ 125 الأنعام. فمن كان يعرف في ذاك الوقت أنه كلما ارتفعت كلما خف الضغط الجوي وقلت كمية الأكسجين؟.

          الباب السادس عشر
          المعجزة
          نصف المعرفة أخطر من الجهل
          *

          قال الملحد لصاحبه, أخبرني كيف يحدث أن ربكم الرحيم الرءوف يأمر نبيه إبراهيم بقتل ابنه ؟ أين رحمته ورأفته التي تدعونها له ؟
          أجابه المؤمن, حسنا ً يا صديقي القصة تدل من سياقها أن الله لمْ يريد لإبراهيم أن يذبح ولده, بدليل أن الذبح لمْ يحدث بالنهاية, ولكنه أراد لنبيه أن يذبح حبه وشغفه وتعلقه الزائد بابنه, الذي أتاه على كبر وهو في شيخوخته فشغفه وهام تعلقا ً به, والأنبياء هم قدوة البشر, وعلى النبي ألا ّ يكون قلبه متعلقا ً بشيء غير الله, لذا أتى الأمر بالذبح, وحين امتثل النبي لأمر ربه جاء الفداء من السماء. وهذه القصة تعلم المؤمنين ألا ّ يتعلقوا بشيء سوى بربهم, لذا تجدنا نعيد تجسيد هذه الواقعة في كل عام. أي لا شيء نحبه أكثر منك, لا شيء نتعلق به سواك, ولا أحد نطيع إلا ّ أنت.
          قال الملحد لصديقه, إذا ً وما رأيك بمعجزة دخول إبراهيم النار دون أن يحترق, وما فعله موسى حين شق البحر, وعصاه التي تحولت أفعى, ويده التي أخرجها من تحت إبطه فأصبحت بيضاء, أليست هذه أشبه بعروض بهلوانية في سيرك؟ لم َ يحتاج الله لهذه البهلوانيات ليدلل على قدرته ؟ أليست القوانين والعقل والمنطق هي التي تدلل على قدرته كإله بدلا ً من تلك ؟
          رد المؤمن, لقد فهمت المعجزة بشكل خاطئ يا صديقي فأنت تنظر لها على أنها هدم للمنطق وللقوانين, ولكن الله هو من خلق المنطق والقوانين, وهو من أعطاك سبيل الوصول والتعمق فيها رويدا ً رويدا ً حتى تدرك وتصل إلى ما شاء هو منها. ولكي أقرب لك الفكرة, فتخيل لو أنك أخذت معك الآن كمبيوتر وذهبت به للعصر القديم, ودخلت به على فرعون وأريته كيف تخرج الأصوات والصور منه ألن يتحلّـّق حولك السحرة وحاشية فرعون وهم يهتفون ( ياه ! إنه سحر! لا معقول ! معجزة !) وأنت تعلم الآن أنه ليس بسحر وليس بشيء غير معقول لأنك تعلم قوانين وعلم الإلكترونيات. وسيكون الأمر مماثلا ً لو أنك دخلت على ملك آشور ومعك تلفاز وأريته ملك الروم وهو يتحدث, سيقوم ويصفق ويهلل لك. ولكي أقرب لك الصورة أكثر, في عصرنا القريب عندما أتى المستعمر الأبيض إلى أفريقيا وهبط بطائراته على الزنوج في مجاهل غابات أفريقيا سجدوا للطائرة كلهم وقدموا القرابين وقرعوا الطبول, فهم يظنون أن الله قد أتاهم من السماء. فهم تصوروا أن هذا الطيران خرق لجميع القوانين, وأنت تعلم أنه ليس بخرق للقوانين, بل تجاوز لها عن طريق قوانين أخرى, فلقد تجاوزوا قانون الجاذبية بقانون الدفع وقانون الفعل ورد الفعل. يا صديقي الماء يصعد إلى قمم الأشجار العالية متجاوزا ً قانون الجاذبية عن طريق قوانين أخرى مثل تماسك العامود المائي وقانون الخاصية الشعرية وقانوني الضغط الاسموزي. إذا ً ليس هناك اختراق للقوانين, ولكن هناك تفاضل بينها. فالله يا صديقي لا يهدم القوانين في معجزاته, بقدر ما يرينا أننا لا نعرف إلا قليل من العلم فقط, والمعجزة هي نور من العلم الإلهي. فالله يقول لنا بمعجزاته بأن هناك علم ونظام أعلى لم تصلوا إليه بعد, وبأن هناك نظام وعلم لن تصلوا إليه أبدا ً.
          الباب السابع عشر
          معنى الدين
          بين القلب والروح والعقل والجسد
          *
          قال الملحد لصاحبه, اسمع إذا كانت هنالك جنة فعلا ً كما تقول فأنا من سيدخلها, فأنا أكثر تدينا ً من كثير من أصحابكم أصحاب اللحى والمسابح !.
          فقال له صاحبه, أكثر دينا ً ؟ ماذا تعني بهذا ؟
          فأجابه الملحد, أعني أني لا أؤذي أحدا ً ولا أحمل الحقد ولا الحسد ولا أسرق ولا أقتل ولا أرتشي ولا أضمر سوءا ً لأحد ولا أنوي إلا الخير ولا أهدف إلا للنفع العام, أصحو وأنام بضمير مستريح, وشعاري بالحياة هو الإصلاح ما استطعت. أليس هذا هو الدين؟ ألا تقولون بأن الدين المعاملة ؟
          فقال له المؤمن, يا صديقي هذا أسمه "حسن سيرة وسلوك " وهو من مقتضيات الدين ولكن ليس الدين نفسه, ليس للدين إلا معنى واحد , وهو معرفة الإله, أن تعرف إلهك حق المعرفة ويكون بينك وبين هذا الإله سلوك ومعاملة, أن تعرف إلهك عظيما ً رحيما ً قريبا ً مجيبا ً, يسمع ويرى , فتدعوه راكعا ً ساجدا ً خاشعا ً, خشوع العبد لربه, هذه المعاملة الخاصة بينك وبين الرب هي الدين. أما حسن معاملتك لإخوانك فهي من مقتضيات هذا الدين, وهي تقربك للرب, فنبينا عليه الصلاة والسلام يقول ( إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في هذا السائل ) فمن أحب الله أحب مخلوقاته, أما إذا اقتصرت معاملتك على الناس لا ترى إلا هم ولا تعترف إلا بهم ولا تؤمن بغير الدنيا, فأنت مجرد كافر, وحسن سيرتك وسلوكك إنما يدل على الفطنة والكياسة والسياسة والطبع اللبيب وليس على الدين. فأنت بالنهاية تسعى من حسن سيرتك وسلوكك إلى مكسب دنيوي, إما بمحبة الناس أو بكف شرهم, أو حتى لتحب أنت نفسك وترضى عنها. وتلك طباع أكثر الكفار أمثالك يا صديقي.
          قال الملحد بانفعال, صدقني أنا أشعر أحيانا ً بأن هناك قوة.. !
          قال صاحبه متسائلا ً , قوة ..؟
          أردف الملحد بسرعة, نعم ثمة قوة مجهولة وراء الكون.. أنا أؤمن بوجود قوة..
          قال المؤمن, وما تصورك لهذه القوة؟ أتتصورها تسمع وترى وتعقل وتتعهد مخلوقاتها بالحب والرعاية والهداية وتنزل لهم الكتب وتبعث لهم الرسل وتستجيب لصرخاتهم وتوسلاتهم؟
          أجاب الملحد, صراحة ً أنا لا أصدق هذا الكلام ولا أتصوره وأكثر من هذا أراه ساذجا ً لا يليق بهذه القوة العظيمة.!
          حينها قال المؤمن مستفسرا ً , إذا ً هل هي قوة كهرومغناطيسية عمياء تسوق الكون في عبثية لا خلاق لها.. هل هذه الصفة التي تليق بقوتك العظيمة ؟
          أجاب الملحد, ربما ..
          قال المؤمن بأسف , بئس ما تصورت إلهك. أعطاك البصر فتصورته أعمى, أعطاك العقل والرشد فتصورته عابثا ً أخرق, والله أنك الكافر بعينة, وأعمالك الصالحة مصيرها الإحباط يوم الحساب.
          قال الملحد بانفعال , ألا يكون هذا ظلما ً ؟!
          أجابه المؤمن , بل هذا هو العدل بعينه, فلقد تصورت بأن أعمالك الحسنة والطيبة من تلقاء نفسك وليس وراءها الرب الهادي الذي هداك للخير فجحدت فضل ربك. وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر وإن تساويا في حسن السيرة والسلوك, فالمؤمن يقوم بالأعمال الخيّرة مؤمنا ً أن الله هو الذي يأمره بذلك, أما الكافر فيقوم بأعمال الخير مؤمنا ً بأن الخير إنما جاء من نفسه, لذا تنكسر نفس المؤمن لربه شكرا ً , ويغتر الكافر متكبرا ً ولو كبرا ً داخليا ً بأعمال الخير. فارق كبير بين التواضع والكبرياء, بين خفض الجناح والعلو, بين الجبروت والدعة. لذا أنتم في ديانتكم الوثنية لهذه القوة الكهرومغناطيسية العمياء لا تصلون ولا تسجدون.
          قال الملحد, ولماذا نصلي ؟ إني لا أرى لصلاتكم هذه أية حكمة !.
          قال المؤمن, حكمة الصلاة أن يتحطم هذه الكبرياء المزيف الذي تعيش فيه لحظة سجودك وملامسة جبهتك للأرض وقولك بلسانك وقلبك ( سبحان ربي الأعلى ), وقد عرفت أخيرا ً مكانتك بأنك أنت الأدنى وهو الأعلى, وأنك أنت التراب على التراب وهو ذات منزهة من فوق سبع سماوات.
          حينها قال الملحد, ولما كل هذه الحركات الجسدية؟ أما كان يكفي الخشوع القلبي ؟
          أجابه صاحبه, لم َ خلق الله لنا الأجساد إذا ً ولم َ لا نكتفي بالحب الشفوي, فنريد أن نعانق ونقبـّل, لم َ لا نكتفي بالكرم المعنوي فنجود باليد والمال ؟. بل خلق الله لنا الجسد ليفضح قلوبنا, فما كان في قلبك بحق فاض على جسدك, فإذا كان خشوعك صادقا ً صليت وركعت وسجدت, وإذا كان مزيفا ً لم يتعدى لسانك.
          الباب الأخير
          فزنا بسعادة الدنيا وفزتم بالأوهام
          من يضحك أخيرا ً..
          *
          قال الملحد لصاحبه ساخرا ً , مهما اختلفنا وتناقشنا فلا شك أننا خرجنا نحن فائزين, فلقد كسبنا فرحة الدنيا وسعادتها, وخرجتم أنتم ببعض أوهام في رؤوسكم, فلنا السهرة والسكرة والنساء الباهرات والنعيم الباذخ واللذة التي لا يعكرها الخوف من الحرام, ولكم الصيام والقيام والتسبيح والخوف من يوم الحساب, فمن الذي ربح ؟

          فأجابه الرجل المؤمن, هذا لو كان ما ربحتموه هو السعادة, ولكن لو فكرنا معا ً في هدوء لما وجدنا هذه الصورة التي وصفتها عن السكرة والسهرة والنساء الباهرات والنعيم الباذخ واللذات التي لا يعكرها خوف الحرام إلا ّ الشقاء بعينه!.
          سأل الملحد مستغربا ً , الشقاء ؟ كيف ؟!.
          أجاب صاحبه, لأنها في حقيقتها عبودية لغرائز لا تشبع حتى تجوع, وإذا أتخمتها أصابتك بالملل والضجر. وأصابك أنت الخمول والبلادة. هل يصلح حضن امرأة أن تكون مستقر سعادة والقلوب تتقلب وتتغير والهوى لا يستقر على حال, وما قرأنا في قصص العشاق إلاّ التعاسة والحزن فإذا تزوجوا كانت التعاسة أكبر وخيبة الأمل الأشد, لأن كلا الطرفين يفقد في الآخر الكمال المعبود الذي كان يتخيله, وبعد قضاء الوطر وانطفاء الشهوة يبدأ يرى كلاهما عيوب الآخر بعدسة مكبرة. وهل الغنى الفاحش والثراء إلا نوع من العبودية حيث يصبح الإنسان خادما ً لماله لا يفكر إلا بكيفية إكثاره فيصحب خادما ً له بعد أن كانت خادمة له؟. وهل الجاه والسلطان ليس إلا مزلق إلى الكبر والغرور والطغيان , وهل راكب السلطان إلا ّ كراكب الأسد, فيوما ً مطيته ويوما ً هو مأكولة ؟. وهل الخمر والسكر والمخدرات والجنس بعيدا ً عن العيون وبعيدا ً عن خوف الحرام سعادة؟. وهل هي إلا نوع من الهروب من العقل والضمير وعطش الروح ومسئولية الإنسان بالشهوة وسعار الرغبات ؟ وهل هو ارتقاء أم هبوط إلى حياة القرود وتناكح البهائم؟. صدق القرآن إذ يقول أنهم ( يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) 12 محمد. فالقرآن لم ينكر أنهم يتمتعون, ولكن كما تتمتع الأنعام.
          السعادة بالنسبة لنا نحن المؤمنين هي حالة سلام بين الإنسان ونفسه, والإنسان وأخوته البشر, والإنسان وربه. ألم يقل أحد الصالحين واصفا ً سعادته ( نحن في لذة لو عرف عنها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف ). الذين ذاقوا لذة وحلاوة الإيمان يدركون معنى هذا الكلام, لذة الصلة بالله سبحانه والصلح مع النفس.
          قال الملحد متعجبا ً , ألم تكن مثلنا قبل سنوات ؟ تسكر كما نسكر وتلهو كما نلهو وتسعد هذه السعادة الحيوانية التي نسعد بها ؟ وتكتب الكفر بعينة في كتابك الله والإنسان ؟! فما الذي غيرك من النقيض إلى النقيض ؟
          أجاب المؤمن بثقة , سبحانه يغير ولا يتغير.
          قال الملحد بسرعة, أعلم بأنك ستقول هذا , ولكن ماذا كان دورك ؟ ماذا كان سعيك لتتغير ؟
          أجابه المؤمن, رأيت العالم حولي محكما ً دقيقا ً , لا شيء في عبث ولا هزل , ولو كانت الحياة هزل وعبث , فلماذا نحزن ونبكي ونحب الحقيقة والعدل والشرف والقيم ؟. رأيت النجوم تجري في أفلاكها بقانون ورأيت الحشرات الاجتماعية تتكلم وتبني وتنظم, ورأيت النباتات تحس وتشعر وتتكلم. ورأيت الحيوانات لها أخلاق, ورأيت المخ البشري عجيب العجائب يتألف من 10 بلايين خط عصبي تعمل في وقت واحد أي أكثر من عدد سكان الكوكب مرتين يقومون بالأعمال المختلفة داخل المخ البشري. فمن الذي زود هذا الجهاز بكل هذه الكمالات ؟ رأيت الجمال في ورقة الشجرة وفي ريشة الطاووس , وسمعت الموسيقى في صوت البلابل والعصافير. وأينما نظرت رأيت رسم رسام وإبداع مبدع وتصميم مصمم. فكل شيء بالكون يصرخ ( دبـّرني مدبر ! وخلقني قادر عليم ).
          وقرأت القرآن فكان له في سمعي رنين وإيقاع ليس في مألوف اللغة. وكان له في عقلي انبهار, فهو يأتي بالكلمة الأخيرة في كل ما يتعرض له من أمور السياسة والتشريع والأخلاق والكون والحياة والنفس والمجتمع. فهو على ما تقادم من نزوله منذ أكثر من 1400 سنة إلا أنه يوافق جميع ما يستجد من علوم رغم أنه أتى على يد رجل بدوي أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة في أمة متخلفة بعيدة عن نور الحضارات, فقلت في نفسي بل هو نبي , ولا يمكن أن يكون إلا نبي, ولا يمكن لهذا الكون البديع إلا أن يكون صنع الله الذي وصفه القرآن ووصف أفعاله.
          قال صاحبة بعد أن أستمع لحديثه باهتمام , ماذا يكون الحال لو كنت مخطئا ً فمت فلم تجد إلا التراب, فلا جنة ولا نار ولا حساب ؟
          قال له المؤمن, لن أكون خسرت شيئا ً لأني عشت السعادة الحقيقة, ولكنكم أنتم من ستخسرون كثيرا ً لو كانت حساباتي صحيحة, وإنها صحيحة وستكون مفاجأة هائلة لكم.
          قال الملحد, سترى أن التراب هو ما ينتظرك وينتظرنا.
          قال المؤمن , هل أنت متأكد ؟
          أجابه الملحد ببطء , نعم..
          فقال له المؤمن بثقة, كذبت فهذا أمر لا يمكن أن تتأكد منه أبدا ً.

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

د‏.‏مبروك عطية‏:‏ فقه الأوطان‏..‏ يحل مشكلة الأديان

(نقلا عن جريدة الاهرام )
من منطلق أن الدين لله والوطن للجميع‏,‏ يأتي كتاب فقه الأوطان في الإسلام الذي ما زال مخطوطا بخط اليد ولم يطبع بعد‏,‏ لينير الطريق أمام الكثيرين حول مفهوم الأوطان الصحيح الذي ذكر في القرآن الكريم‏.
 والذي يسمح بالعيش المشترك لكل من يقيم فيه, مشددا علي حرمة إخراج أي إنسان من وطنه, لأن قتل النفس أهون من مغادرة شخص لبلده الذي ولد وتربي فيه, موضحا أن تطبيق فقه الأوطان من الممكن أن يحمي مصر من كوارث محققة خلال الفترة المقبلة, وأن لا أمان لمصر إلا بتحسن أوضاعها, وتوفير الغذاء لساكنيها ومن يفد عليها من البلاد الأخري, فلا يظن ظان أن مصر آمنة بنص قرآني دون عمل, لذلك ذهبت صفحة الفكر الديني إلي الدكتور مبروك عطية مؤلف الكتاب ـ أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بسوهاج لمعرفة المزيد عن فقه الأوطان, فكان هذا الحوار.
> ما هو دافعك لتأليف هذا الكتاب؟

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

مفتي الجمهورية‏:‏ وصيتي للحجيج تخصيص ثلـثي الدعاء لمصر

من جريدة الاهرام :-
في الوقت الذي بدأ فيه ضيوف الرحمن قلبا وقالبا الذهاب إلي الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج‏,‏ وإعمالا لقوله تعالي فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون توجهنا إلي المسئول الأول عن الفتوي في مصر‏.

توجهنا إلي فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة وأجرينا معه حوارا خاصا جامعا شاملا حول مناسك رحلة الحج بدءا من الاستعداد لهذه الشعيرة مرورا بالسفر برا وجوا وبحرا وأثناء أداء المناسك حتي الانتهاء منها والعودة إلي الأهل بسلام. طرحنا علي فضيلة المفتي كل ما يدور في ذهن الحاج من أسئلة, لم نترك شاردة ولا واردة إلا سألنا عنها وأجاب فضيلته بكلمات واضحة مبسطة كما عهدناه في رحابة صدر العالم الواثق المتواضع قائلا: في البداية الحج الأكبر نشيده التلبية وهو إكمال الدين وإتمام النعمة.
سألناه: ما الحكمة من مشروعية الحج والعمرة ؟

السبت، 15 أكتوبر 2011

مصر كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله بقلم: د.احمد عمر هاشم

اصطفي الله سبحانه الرسل‏,‏ وفضل بعضهم علي بعض قال الله تعالي‏:(‏ تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض‏)‏ واصطفي الله سبحانه بعض الأزمنة وفضلها مثل شهر رمضان وليلة القدر ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الجمعة‏.‏

د.احمد عمر هاشم

واصطفي بعض الأمكنة والبلاد التي خصها رب العباد ببعض الخصوصيات مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة, والقدس الشريف.
ومن الأمكنة والبلاد التي لها بعض الخصوصيات: ارض الكنانة, مصر المحروسة, وقد قضت الارادة الإلهية أن تكون لمصر هذه الخصوصية في الدفاع عن الأمن القومي لأمتها, ولتصون حدودها وتكافح عن عقيدتها وهويتها.
ومن أجل ذلك كان جند مصر خير أجناد أهل الأرض, وكان لقواتها المسلحة مكانتها فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد أهل الأرض) قيل: ولم كانوا كذلك يارسول الله؟ قال:( لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة).

الخميس، 13 أكتوبر 2011

من أدوات بناء الحضارة: الأمة الواحدة بقلم د علي جمعه

من مقتضيات بناء الحضارة تأصيل مفهوم الأمة الواحدة فى العقول، فبناء هذا المفهوم يشمل القواعد الفكرية اللازمة لبناء الحضارة، مثل القدرة على ترتيب الأولويات، وفهم منهج التعامل مع الحياة الدنيا، وتحديد العلاقة مع الآخرين، ووضع برنامج عملى لعمارة الأرض، وعلى ذلك فإن إدراك مفهوم الأمة أمر أساسى إذا كان يمثل المنطلق لهذه القضايا وغيرها، وتفعيل ذلك الإدراك أمر أكثر أهمية من الإدراك المشار إليه.

فلابد علينا أن نتكلم بتوسع - وتحديد أيضا - عن مفهوم الأمة، ففى نظر المسلمين الأمة ممتدة عبر الزمان فيما يمكن أن نسميه «الدين الإلهى»، فالأمة تبدأ من آدم، وتشمل كل الرسل والأنبياء فى موكبهم المقدس عبر التاريخ، والأمة بعد النبى - صلى الله عليه وسلم - ممتدة عبر الزمان والمكان، وفى جميع الأحوال ولدى جميع الأشخاص، وهذا أمر غاية فى الأهمية إذا اعتبرناه تأسيساً لما ندعو إليه من معاصرة وإصلاح وتجديد، قال الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥٢]، وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢].

ويمكن أن نقرر أهم صفات تلك الأمة الواحدة، وهى أن هناك مساواة بين البشر، فأصلهم واحد، ومصيرهم واحد، وهو الموت، والخطاب الإلهى إليهم واحد، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـى وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨].

فإذا تحدد مفهوم الأمة بهذا المعنى فإن لدينا أمة الدعوة وهى الإنسانية كلها، وأمة الإجابة وهم من صدَّقوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - ودينه ومنهجه فى الحياة، وهم المسلمون الذين اختصوا بخطاب (يا أيها الذين آمنوا). وإذا رجعنا للمعنى الواسع الفسيح نجد مفهوم الأمة يشمل البشرية كلها، ويرى المسلمين مع غير المسلمين أمة دعوة يتوجه لهم جميعا الخطاب بـ(يا أيها الناس) وما أكثره فى القرآن حين يخاطب النفس الإنسانية السوية التى تدرك أن لهذا الكون خالقا يدبر الأمر بحكمة بالغة فى إطار من رحمته السابغة، حتى إنه فى العقائد الإسلامية نرى شفاعة النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة لجميع الخلائق، حتى يصدق عليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] أى السابقين واللاحقين.

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

تحت القسم وثيقة الأزهر في برامج الأحزاب قلم: عبدالعظيم حماد

الباقي من الزمن خمسة أيام‏,‏ ويفتح باب الترشيح لانتخابات أول برلمان بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ ومازلنا نأمل أن يكون برلمانا توافقيا‏,‏ وقدمنا كثيرا من المقترحات التي تؤدي إلي هذه النتيجة‏,‏ دون أن يتنافي أحدها مع المبادئ الديمقراطية‏.‏

ومع أن استراتيجية القوائم الموحدة من عدة أحزاب متحالفه كانت واحدا من تلك المقترحات, والاتجاه الغالب الآن هو الأخذ بها, فإنها لاتكفي وحدها لتحقيق هدف البرلمان التوافقي, الذي ستلقي علي عاتقه مهام جسام, أبرزها دوره الحاسم في اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد.
وكانت الصدفة وحدها قد شاءت أن أكون شاهدا ومعلقا علي مناظرة بين طرفي نقيض في الجدل الدائر حول الاختيار ما بين الدولة العلمانية المدنية, والدولة الدينية أو المدنية ذات المرجعية الدينية, وكلاهما ناشط سياسي بارز في التيار الذي ينتمي إليه, أما الأول فكان الدكتور, عصام العريان نائب رئيس حزب زالحرية والعدالةس الذراع السياسية لجماعة االإخوان المسلميب, والثاني فهو الدكتور عماد جاد عضو الهيئة العليا للحزب زالمصري الديمقراطي الاجتماعيس, وبالطبع كانت هناك نقاط اتفاق بينهما, لكن نقاط الاختلاف كانت أكثر وأخطر, ومن ثم جاءت أول ملاحظة في تعقيبي في شكل سؤال إلي كل منهما: هل تقبل زوثيقة الأزهرس المطالبة بإقامة دولة مواطنة دستورية ديمقراطية حديثة في مصر؟
وجاءت الإجابة من كليهما بنعم عريضة دون أدني تردد؟ وهنا اتفق الحاضرون جميعا علي أن الخلاف قد ضاق نطاقه إلي حد أكبر مما كانوا يتوقعون قبل المناظرة, بل ذهب البعض ذ وكاتب هذه السطور منهم ذ إلي أنه لم يعد هناك خلاف يذكر حول المبادئ الرئيسية للنظام السياسي الذي يجب أن يقيمه دستور ثورة25 يناير عندما يوضع, لأن زوثيقة الازهرس المقبولة ولو بدرجات متفاوتة من جميع القوي والتيارات والأحزاب السياسية تصلح بذاتها لأن تكون ميثاق الشرف الذي يحكم عملية وضع الدستور الجديد, ذلك الميثاق الذي اقترحته تلك القوي والتيارات والأحزاب في لقاء السبت الماضي مع الفريق سامي عنان رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة.

الأحد، 2 أكتوبر 2011

التصالح مع الذات د علي جمعه

جبلت النفس البشرية علي التطلع للمستقبل‏,‏ والطموح إلي المراتب الأعلي دائما‏,‏ وهو ما حدا بالبعض إلي الجموح لتحقيق أهدافه وأحلامه‏,‏ مستندا إلي مبدأ‏:‏ الغاية تبرر الوسيلة دون نظر إلي ما تمثله تلك الوسيلة من خير أو شر‏,‏ وهو أمر شديد الخطورة‏,‏ يؤثر بالسلب علي الفرد والمجتمع‏.‏
والطموح هو السعي باتجاه الوصول إلي أعلي الأهداف, وحتي يصل الإنسان إلي ما تطمح إليه نفسه في ظل الالتزام بالمبادئ التي قررها الإسلام يجب أن يكون لديه الدافع المحاط بالأخلاق التي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية, وإلا أصبح الطموح جموحا يوشك أن يودي بصاحبه ويدمره.
ولقد أوضح لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الطموح الصحيح في أسمي صوره, وزرع فينا حب التميز والتفوق والحصول علي أسمي المراتب في كل مكان نعمل فيه, فالتواضع والزهد في الدنيا ـ اللذان دعا إليهما الاسلام ـ لا يعنيان أبدا أن يقبل المسلم الحد الأدني أو ينزوي وراء الآخرين ويكون في ذيلهم, ولذلك حثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي العمل لبلوغ الغاية والهدف الأسمي لكل مسلم فقال: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس الأعلي, فإنه سر الجنة( المعجم الكبير للطبراني31/4), كذلك علمنا أن نعظم من رغباتنا عند الدعاء, فقال صلي الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت, ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة, فإن الله لا يتعاظمه شئ أعطاه( مسلم46/8).

الجمعة، 30 سبتمبر 2011

الصوفية‏..‏ بين مطرقة الصراعات وسندان الرسالة



نحن نحاول الدخول بعمق في تكوين الطرق الصوفية التي تبدو أنها خرجت عن مسارها الذي عرفت به عبر التاريخ الإسلامي من زهد وتقشف ورضا وقناعة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان, إلي صراع وتنازع علي مناصب وأمور مادية لا قيمة لها, كما نحاول في هذه الحلقة الوصول إلي إجابة لسؤال قديم يتجدد باستمرار حول الخرافات والبدع التي يأتي بها الصوفيون في ممارساتهم وشعائرهم, وهل هي من التصوف أم مدسوسة عليه؟ كما نناقش الدعم المالي من الدولة وغيرها للطرق الصوفية, وكيفية تنقية هذه الطرق من الدخلاء.
الصراعات.. والرسالة
في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم- رئيس جامعة الأزهر الأسبق- علي أن الصراع بين الطرق الصوفية أمر غير مشروع, فلا تنازع في التصوف علي مناصب أو أمور مادية لأنه قائم علي الزهد والرضا والقناعة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان, ورجال التصوف عبر التاريخ الإسلامي عرفوا بالزهد والتقشف لدرجة أن بعض الصوفية نزلوا مكانا غريبا وناموا فيه وكان لكل واحد منهم غطاء يغطي نفسه به, فسمع أحدهم يقول أين غطائي, فقالوا له ألنا غطاء ولك غطاء, إذن فإعتزلنا, فالتصوف الإسلامي قائم علي المباديء الإسلامية المستنبطة من الكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الإمام الجنيد:(علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة), فالشاهد أن الصراعات بين أهل التصوف غير جائزة, وإذا حدثت فتعد ابتعادا عن محراب التصوف وروحه ومعانيه, ومخالفة مباديء التصوف الإسلامي من الأمور التي تنأي بالإنسان أن يكون صوفيا.
ويوضح الدكتور أحمد عمر هاشم أن التصوف عبارة عن شريعة وطريقة وحقيقة, أما الشريعة فهي ما شرعه الله من عقائد وعبادات وأخلاق, والطريقة هي المنهج الذي يسير عليه الصوفي, أما الحقيقة فهي الثمرة التي يفرزها السلوك الصوفي الحقيقي, فالشريعة بدون حقيقة عاطلة, والحقيقة بدون شريعة باطلة, ومعني هذه المقولة الصوفية أن الإنسان لو كان يتعبد علي الشريعة فيصلي ويصوم ويخاصم الناس فما فائدة صلاته وصيامه؟, فواجب من ينتمون إلي المحراب الصوفي أن يكونوا مثلا عليا في تسامحهم وأن يكونوا متوحدين لا مختلفين, للحفاظ علي المفهوم الحقيقي للتصوف.
التوريث ليس شرعا ومنهاجا
وعن توريث شيخ الطريقة ابنه من بعده يقول الدكتور علوي أمين- أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- إن التوريث للتصوف ليس شرعا ولا منهاجا, فشيخ الطريقة يختار بمواصفات معينة وهي أن يكون عالما بالكتاب والسنة وزاهدا ومحبا لكل خلق الله, وهناك فرق بين التصوف والشعوذة, فالصوفي يجب أن تتوافر فيه صفات كثيرة منها: الطهارة والصلاة والتوبة والمحبة والمجاهدة والخلوة والخوف من الله والصدق والإخلاص, أما السبحة الطويلة والبخور فقط فهذه شعوذة وليست من التصوف والإسلام في شيء.
ويضيف الدكتور أمين فإذا توافرت صفات الصوفي الحقيقي في ابن شيخ الطريقة فهو أولي أن يختار خلفا لوالده, وأقرب الناس معرفة بالطريق هم أبناء الطريقة, ومن الممكن أن يضع المجلس الأعلي للطرق الصوفية بعض المواصفات المعينة التي يسترشد بها, وأن يتم عمل اختبارات لتقييم المريد ومعرفة مدي علمه بالقرآن والسنة, وأن تتوفر فيه أيضا صفة رئيسية وهي القدرة علي تربية الأتباع والمريدين, فالتربية العملية التي يقوم بها الشيخ لمريديه هي التي حفظت الإسلام في جميع الدول العربية, وقد دخل الإسلام أوربا وانتشر عن طريق التصوف والذي يتجسد في المعاملة الحسنة والأخلاق الكريمة فالناس تدخل الإسلام بأخلاق المسلمين, ويجب أن يختار شيخ الطريقة بناء علي رغبة مريديها جميعا, ولا يجوز أن يكون ابن الشيخ بعيد عن التصوف ولم يحضر مجلس علم لأبيه ويصبح خلفا له, ويؤكد الدكتور علوي أمين أن أغلبية الطرق الصوفية ملتزمة بتلك المعايير في اختيار شيخها, وأن هناك الكثير منها لا تختار أبناءها, مثل الطريقة البرهانية.
ويناشد الطرق الصوفية أن تعود إلي حيث كانت في بدايتها وأن تنسي الدنيا بعض الوقت, فإذا انشغلت بها بعدت عن التصوف, فالمتصوفة أبعد الناس عن الدنيا إلا بقدر.
الخرافات والبدع تصرفات البعض
وحول الخرافات والبدع التي تسئ للصوفيين, يقول الدكتور محمد فؤاد شاكر- استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- أننا لا يجب أن نحكم علي تصرفات بعض من ينتسبون إلي التصوف والذين أساءوا إليه أشد إساءة, كالذين يتخذون من التصوف سبيلا لكسب المال أو يفرضون علي الناس مبالغ مادية تعطي لهم طلبا لبركاتهم, حتي أصبح الأمر يعطينا صورة سيئة لإختلاط الرجال مع النساء في الموالد, وحتي أن بعضهم لا يصلي ولا يهتم بأداء الفرائض إنما همه كله أن يذكر الكرامات, ثم يفسرون القرآن علي هواهم, ولكي نحكم علي هذه التجربة علينا أن نعلم أن هذه الفئة من المؤمنين قال فيهم الإمام الجنيد:( إذا رأيتم الرجل لا يصلي ولا يصوم ولا يتمسك بالكتاب والسنة ويطير في الهواء فهو شيطان), ولكي نعيد للتصوف مفهومه الحقيقي وثقة الناس به علينا أن نبعد الأدعياء الذين يتاجرون بالتصوف والصوفية ويلبسونها ثوبا لا يليق بها بل يشوه صورة التصوف كله ويعطي فرصة لأصحاب الأفكار المتشددة لنقد حركة التصوف والتركيز علي هذه النماذج السيئة وتقديمها للناس علي أن هؤلاء هم الصوفيون, وهؤلاء لا علاقة لهم بجوهر التصوف.
ويؤكد الدكتور محمد فؤاد شاكر أنه يجب أن يعلم هؤلاء الذين لم يقرأوا في كتب التصوف أن أكابر علماء الأمة كانوا من الصوفية, مثل: ثابت البناني الذي أخذ كبار علماء الأمة سند الحديث منه, وابن دقيق العيد الذي يعد من أكابر الصوفية وكان مفتيا علي المذاهب الأربعة, فلا ينبغي أن نطلق الذنب في الجميع بل علينا أن نعلم أن الذي يخرج عن حدود الشرع لا صلة له بالصوفية والتصوف.
ليس كل احتفال بالموالد بدعة
أما الدكتور أحمد كريمة- أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- فيقول إن الإحتفال بموالد سادتنا الرسل والأنبياء ومن عرف بصلاحه كالأولياء الصالحين من المناسبات المنسوبة إلي الدين, لم يأت في حقها نص بالإعمال أو الإهمال فليست بسنة تتبع أو بدعة تجتنب, وهي تخضع لقاعدة المصلحة, والإمام ابن القيم رحمه الله يقول: حيث كانت المصلحة فثم شرع الله, بمعني أنه إذا كان الهدف أو المقصد بالاحتفال بمولد الرسول صلي الله عليه وسلم, وهذا أمر أجمع عليه العلماء- إلا من شذ- التأسي والإقتداء وذكر المناقب ليس اشتهارا ولا افتخارا ولكن من باب قوله تعالي: وبهداهم اقتده, فهذا من الناحية التربوية والسلوكية أمر محمود, ففي صدر الإسلام كان الشعراء يخلدون سير الأبطال والصالحين في قصائدهم الأدبية والتي عرفت بالمدائح. ويشير الدكتور أحمد كريمة إلي أن ما يصاحب الاحتفال من سلبيات فقل أن يسلم عمل من خطأ, فعلي سبيل المثال في عيدي الفطر والأضحي وهما مشروعان بالإجماع, من الممكن أن يقوم بعض الناس بالإحتفال بهم بطريقة غير لائقة مثل المبالغة في الترويح والإسراف, وقد يستخدمها البعض في الإنحراف وتعاطي المخدرات, ولكن هذه السلبيات لا تؤدي بالقول إلي التحريم والتجريم, ولكن يجب أن نقول الإصلاح والذي يتأتي عن طريق قيام لجان تطوعية من الشباب المسلم الصوفي لمنع المخالفات والمحظورات مثل لعب القمار, أو اختلاط الرجال بالنساء, ووسائل اللهو التي لا تليق, وأن يقتصر الاحتفال بالمولد علي مجالس العلم والأذكار الشرعية, ومن الأفضل عدم الإستعانة بالشرطة ولكن بعمل لجان شعبية من أبناء الطرق الصوفية وهم أفضل من اللجوء إلي الأمن, لأنهم يملكون المعرفة بالتصوف الصحيح وهم الأكثر دراية وقدرة علي التوعية به, أما عن مشاركة النساء في الموالد فالمرأة ليست ممنوعة من الخروج ولكن تشارك في حدود الآداب العامة.
الدعم المالي للطرق يحتاج إلي دعم
وحول الدعم المالي من الدولة للطرق الصوفية, يري الشيخ علاء الدين ماضي أبو العزائم- شيخ الطريقة العزمية- أن الدعم المالي للطرق الصوفية غير كاف لمساعدة الطرق علي القيام بكافة أنشطتها, فهي لا تأخذ إلا نسبة محددة من صناديق النذور تبلغ10% توزع علي سبعين شيخا, وعادة ما تعتمد الطرق علي شيخها ومريديها ماديا فتقيم الموالد بالإشتراكات العينية أو المادية, ويري شيخ الطريقة العزمية أنه يجب تغيير نسبة ال10% في القانون عن طريق المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليجعلها50% من صناديق النذور التي تبلغ حوالي4 ملايين جنيه, ويؤكد علي أن الدعم المالي أمر هام ومطلوب للطرق الصوفية حتي تستطيع أن تقيم مجالس العلم والندوات والمؤتمرات التي تنشر التصوف و تناقش القضايا المجتمعية, ويجب أن يكون هناك دعم من الدولة أيضا للطرق الصوفية لما لها من دور كبير في نشر وسطية الإسلام, وتقوم الطريقة العزمية مثلا بعمل ندوة أو أثنتين علي الأقل شهريا لمناقشة قضايا الساعة والتوعية بالتصوف الحقيقي ونظمت أيضا العديد من المؤتمرات منها, مؤتمر الدور الصوفي في أمن واستقرار المجتمعات, ومؤتمر رد المسلمين علي أوباما الذي اشتركت فيه الطريقة الشهاوية والتيجانية والجازولية والشبراوية.
ويتفق مع الطرح السابق الشيخ أحمد الصاوي- شيخ الطريق الصاوية- مؤكدا علي ضرورة زيادة نسبة ال10% من صناديق النذور لدعم الطرق الصوفية, لأنها الأولي بذلك فصناديق النذور بجوار أضرحة آل البيت والأولياء والصالحين وهم أهل ومشايخ الطرق الصوفية, فعلي سبيل المثال صندوق النذور الخاص بسيدي أحمد البدوي أحق الناس بنقود هذا الصندوق هم أتباع طريقته أولا ثم باقي الطرق الصوفية, وأيضا أن تقوم الدولة بتزويد دعم الطرق الصوفية من الموازنة العامة للدولة حتي تستطيع أن تقوم بنشاطها مثل أصحاب التيارات الأخري, للحفاظ علي وسطية الإسلام ونشر التصوف داخل المجتمع, فهي تحتاج لإقامة المؤتمرات والندوات والتي تحتاج لمبالغ مالية كبيرة تعجز عن الوفاء بها لقلة الدعم المادي المقدم لها.
إعادة بناء الطرق الصوفية
حول كيفية إعادة بناء الطرق الصوفية لتقوم بدورها الصحيح في المجتمع, يقول الدكتور محمد محمود أحمد هاشم- عميد كلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق- إن العلم في الإسلام هو الأساس التي قامت عليه رسالة الإسلام, لذلك حرص الصوفية الأوائل علي العلم والعبادة معا, فنجد كبار علماء الإسلام الذين تتلمذ علي يديهم الجميع كانوا صوفية, وقد دخل الرسول صلي الله عليه وسلم مسجده ذات يوم فوجد حلقة علم وحلقة ذكر فقال: كلا المجلسين عمل خير وجلس في مجلس العلم وقال: إنما بعثت معلما, فالتصوف علم وجهاد وعبادة وسلوك وإلتزام بمنهج الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين, ويجب علي المجلس الأعلي للطرق الصوفية أن يعيد هذه المفاهيم التي قد تكون غابت عن أذهان بعض الطرق الصوفية, ونشر سيرة علماء الصوفية ليكونوا منارات لنا نعتمد عليها في كافة المجالات من فقه وتفسير وفي تناول القضايا المجتمعية أيضا, فالتصوف ليس إنعزالا عن الدنيا وليس تمسكا ببعض الخزعبلات التي لا تمت إليه بصلة.
ويؤكد الدكتور هاشم علي أن إعادة بناء الطرق الصوفية يحتاج لعدة مراحل: أولا, نشر الفكر الصوفي بين أبناء الطرق الصوفية عن طريق شيخ الطريقة, ثانيا: أن يصدر المجلس الأعلي للطرق الصوفية والمشيخة العامة للطرق الصوفية دوريات( عدة مؤلفات بصورة منتظمة) لتبين للمجتمع أساس التصوف, وتعد هذه أيضا دعوة للمجتمع للعودة لمفهوم الأخلاق فالتصوف هو الخلق, ثالثا: نبذ الخلافات بين الطرق والتي تؤدي إلي ضياع الرسالة الأساسية للطرق الصوفية وهي الحفاظ علي وسطية الإسلام, ونحن الآن في حاجة ماسة إلي الإلتزام بالتصوف.
أما فضيلة الشيخ محمود عاشور- عضو مجمع البحوث الإسلامية- فيقول أنه يجب أن يعيش الصوفي حياة مليئة بالحب والرحمة والإيمان بالله وان يلتقي مع الناس بهذه الأخلاق, وبهذا نستطيع أن نجمع مجموعة كبيرة من الناس لينشروا هذه الأخلاق بين الناس, و الرسول صلي الله عليه وسلم يقول:( خير الناس أنفعهم للناس), ويقول أيضا:( والله لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه), فيجب علي أبناء الطرق الصوفية نبذ الأحقاد وحب الدنيا لنعيش حياة تمثل الصفاء النفسي والوجداني لله سبحانه وتعالي.
تنقية التصوف من الشوائب
وعن الخطوات التي يمكن اتباعها لتنقية المنهج الصوفي من الشوائب العالقة به, يؤكد الدكتور سالم مرة- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- علي أنه توجد قاعدة ثابتة في الفقه الإسلامي وهي أنه إذا خالف الإنسان الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح فليس بصوفي, ومن هنا انحرف المسار بالصوفية إلي أن أصبح كثير من الناس لا يعلمون شيئا عن الكتاب والسنة وينسبون أنفسهم إلي التصوف وصارت فرق شتي ربما وقع التناحر بينها لعدم معرفتها بحدود التصوف, فالتصوف يقف عند قوله تعالي: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافسادا والعاقبة للمتقين, ولكي نعود بالتصوف إلي المسار الصحيح الذي كان عليه الرعيل الأول فلابد من إلتزام بعض الأمور منها أنه لابد لمن يريد معرفة التصوف أن يدرسه أو أن يلازم شيخا عارفا يأخذ بيده إلي المسالك التي تخلصه من الوقوع في حب الدنيا, لأن الدارس لابد له من شيخ محقق مرشد قد فرغ من تأديب نفسه وتخلص من هواه, ولا بد للقائمين والمهتمين بأمر التصوف من تنقية الكتب المتعلقة بهذا العلم علي يد كبار العلماء والشيوخ, وتدعيم المعاهد والمدارس التي تقوم علي تدريس التصوف بالعلماء العارفين ماديا ومعنويا, وتشجيع الطلاب علي تعلم التصوف, فالواقع الآن به فريقان, فريق ضد التصوف كاملا بل قد يصل بعضهم إلي تكفيره, وهذا لعدم معرفته بمسائل التصوف فيظن أن ذلك دربا من الخيال, مع أن التصوف يرقي بالإنسان في درجات السلوك الرفيع إلي درجة يفهم الأمور فيها فهما صحيحا, يقول الإمام مالك رضي الله عنه: من تصوف ولم يتفقه( أي يتعلم أحكام الفقه والشريعة) فقد تزندق( وهي درب من دروب الجهل والكفر), ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق, فأحيانا تكون هناك بعض الأشياء لا يأمر بها الشرع في ظاهره, ولذلك يقول الإمام الشاطبي رضي الله عنه حينما دخل عليه رجل فسأله عن القدر الواجب في زكاة المال, فقال له: علي مذهبكم أم علي مذهبنا, فتعجب السائل وقال له: ألكم مذهب ولنا مذهب؟ قال: نعم, فقال الرجل: أفتني علي مذهبنا, قال: إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول ففيه ربع العشر فهذا حكم الشريعة, فسأل الرجل وعلي مذهبكم؟ قال الشاطبي: العبد وما ملكت يداه لسيده, والأمر الثالث في مسار إصلاح التصوف ليعلم الجميع أن التصوف طريق من طرق الإصلاح الإجتماعي لأنه يسمي علم الأخلاق فهو يبني علي التسامح والصفو والعفو والمحبه لله تعالي, والمجتمعات التي بها علماء تصوف ويجمعون الناس حولهم تقل فيها المشاكل والجرائم.

السبت، 17 سبتمبر 2011

سيبويه

اسمه ومولده
كتاب الكتاب  عمرو بن عثمان بن قنبر

كتاب الكتاب عمرو بن عثمان بن قنبر هو عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، أبو بشر، إمام النحاة، حُجَّة العرب، وأول من بسط علم النحو، وصاحب (الكتاب) حجة العربية ودستورها، وهو فارسي الأصل[1]. وُلِد عام أربعين ومائة من الهجرة (140هـ) على الأرجح[2]، وذلك في مدينة البيضاء من أرض فارس، وهي أكبر مدينة في إِصْطَخْر على بُعد ثمانية فراسخ من شيراز[3]. قَدِم البصرة وهو غلام صغير، فكان منشؤه بها[4].
 نشأته وحياته
من أرض فارس قدم سيبويه إلى البصرة، حيث مراكز العلم ومنابر العلوم، وقد كان شابًّا حسنًا، جميلاً نظيفًا، مفرط الذكاء إلا أنه كان فيه حُبْسة في عبارته.
ومع حداثة سنِّه فقد انطلق يصحب أهل الحديث والفقهاء حيث ميله ومراده، فكان يستملي على حمَّاد بن سلمة في حلقته ليكتب الحديث ويرويه، ويشاء الله أن يكون لغير ما طلب وما أراد أولاً؛ فقد سأل يومًا حماد بن سلمة فقال له: أحدَّثك هشام بن عروة عن أبيه في رجلٍ رعُف في الصلاة، بضم العين؟ فقال له حماد: أخطأت، إنما هو رعَف بفتح العين. فانصرف سيبويه إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد. فقال له الخليل: صدق حماد! ومثل حماد يقول هذا. ورعف بضم العين لغة ضعيفة[5].
ثم يتكرر الموقف مرة أخرى، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد من أصحابي إلا وقد أخذتُ عليه ليس أبا الدرداء". فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع. وقد خمَّنه اسم ليس. فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما (ليس) ها هنا استثناء. فكان أن أَنِف سيبويه من ذلك وقد أخذ قراره، فقال: لا جرم لأطلبَنَّ علمًا لا تلحنني فيه أبدًا. فطلب النحو، ولزم الخليل[6].
شيوخه
من أشهر شيوخه حماد بن سلمة، وبعد قراره الأخير هذا عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ لينهل ويتعلم منه عن حبٍّ وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظلِّ حتى لقد بدا تأثره الكبير بشيخه هذا على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في رواياته عنه، واستشهاداته به.
ولم يكتف سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد في علوم النحو والعربية، بل إنه استزاد من ذلك شأن أقرانه في ذلك الوقت، فتتلمذ أيضًا على يد أبي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري النحوي، وغيرهم[7].
تلامذته
لأن القدر لم يمهله طويلاً حيث تُوُفِّي في ريعان شبابه، فلم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، وكان من أبرز من تتلمذوا على يديه ونَجَم عنه من أصحابه: أبو الحسن الأخفش، وهو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وقُطْرب وهو أبو عليٍّ محمد بن المستنير، ويقال: إنه إنما سمِّي قطربًا لأن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه، فيقول له: إنما أنت قطرب ليل. والقُطْرب: دويبة لا تزال تدبُّ، ولا تفتر[8].
وقال أبو العباس المبرد: "كان الأخفش أكبر سنًّا من سيبويه، وكانا جميعًا يطلبان. قال: فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره. فقال له سيبويه: أتراني أشكُّ في هذا"[9].
آراء العلماء فيه
قال عنه ابن عائشة: "كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًّا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو"[10].
 وحدَّث أحمد بن معاوية بن بكر العليمي، قال: "ذُكر سيبويه عند أبي، فقال: عمرو بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغَ من لسانه"[11].
آراء العلماء في مؤلفاته
ذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في كتابه (طبقات الأمم) قال: "لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي؛ فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له"[12].
وقال أبو جعفر: "لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب سيبويه"[13]. وقال محمد بن يزيد‏:‏ ‏"لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره‏"[14].
منهج سيبويه في الكتاب

الكتاب يقع في أكثر من تسعمائة وعشرين صفحة، وقد جرى التقسيم فيه إلى أبواب، ولا نجد فيه كتبًا ولا فصولاً، وسيبويه يُكثِر من الأبواب للمبحث الواحد بحسب تنوع ما يجري فيه البحث.
ويقع الكتاب في جزأين: الأول في مباحث النحو، والثاني في مباحث الممنوع من الصرف ومباحث النسب والإضافة ومباحث التصغير وبقية مباحث التصريف، ويحوي إلى مباحث الصرف والنحو مباحث العربية عامة؛ ففيه المجاز والمعاني وضرورات الشعر وإنشاده وتعريب الكلمات الأعجمية، وفيه أيضًا قدر وافٍ من مباحث الأصوات العربية[15].
وفاته

أغلب الظن أن وفاة سيبويه لم تكن طبيعية؛ فإنه حين علم (بعد مناظرة الكسائي) أنهم تحاملوا عليه وتعصبوا للكسائي، خرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمدًا، ويُروى أنه ذَرِبتْ معدته فمات. وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلافٌ عريض، والراجح من الأقوال أن ذلك كان في سنة ثمانين ومائة من الهجرة (180هـ)[16].
وذكر الخطيب أن عمره كان اثنتين وثلاثين سنة، ويقال: إنه نَيَّف على الأربعين سنة. وهو الصحيح؛ لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه إحدى وثلاثين سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغًا، والله أعلم[17].
وفي مرضه الذي تُوُفِّي فيه، قيل إنه تمثَّل عند الموت بهذين البيتين:

يُؤَمِّل دنيا لتبقي لـه *** فمات المؤمِّـلُ قبل الأمـلْ

حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل *** فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ[18]
ويقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فدمعت عين أخيه، فاستفاق فرآه يبكي فقال:

أخيين كنَّا فَرَّق الدهرُ بيننا *** إلى الأمدِ الأقصى ومن يأمنُ الدهرا[19]
 وقال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:

ذهب الأحبة بعد طول تـزاورٍ *** ونأى المزار فأسلمـوك وأقشعـوا

تركوك أوحش ما تكونُ بقفـرة *** لم يؤنسوك وكـربة لم يدفعـوا

قَضَى القضاءُ وصرتَ صاحبَ حفرةٍ *** عنك الأحبة أعرضوا وتصدَّعوا[20].

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

في ذكري القعقاع بن عمرو بقلم السعيد البواب


في ذكري القعقاع بن عمرو
يقول الله عز وجل " من المءمنين رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه  فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر  وما بدلوا تبديلا "
ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم )
ومن هؤلاء الابرار  القعقاع بن عمرو التميمي  بطل معارك (نهاوند) والذي قال فيه  ابو بكر الصديق  رضي الله عنه ( لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمر )وقال لخالد ( ارسلت اليك رجلا  بالف وهو القعقاع  بن عمرو  وقد اسلم مع وفد بني تميم هو وابوه واخوه  وقد اشترك في ( بدر واحد واليرموك و القادسية  والعراق والشام ومصر  واقام بمصر بعد فتح ( البهنسا (تانيس ) فقال له عمرو بن العاص ( طبت وطابت منزلتك يا قعقاع فسميت المنزلة  بدلا من تانيس  وذلك في ربيع الاول سنة 21ه وبني اول مسجد ويسمي بالمسجد العمري  وقد اقام بالمنزلة  ودفن في حجرته علي شاطئ البحيرة  وهي قبره الان  وقد جدد المسجد  الشيخ سويدان سليمان سنة 1342 هجرية  ثم اعيد تجديده بجهود اهل المنزلة ثم ضم للمساجد التابعه لوزارة الاوقاف
ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم
( ما من احد من اصحابي  يموت بارض الا بعث قائدا لهم ونورا يوم القيامة ) وتوفي القعقاع عام 40 هجرية  رحم الله تعالي القعقاع وال البيت والصحابه والتابعين جميعا  وكل احباب المصطفي  والمتمسكين بشريعته  ومنهاجه عليه الصلاه والسلام .
وفي مولده قدم تحية الشعر للقعقاع فاقول
ذكراك يا قعقاع  ** ضياء الروح والفكر
واصحاب محمد نور** وقدوه راغب النصر
وفي التوراه ذكرهم ** وفي الانجيل عزي الخير
كألف انت لا تهزم ** قوي القعقاع اذ تسري
فرس ورومان بادوا ** ونهاوند عبره الدهر
طبت وطابت منزلة ** بها القعقاع كالبدر
يبارك عمرو لقعقاع ** ويبني مسجد الذكر
خلود الذكر جائزة ** لقعقاع مدي العمر
دعاء سعيد لكم دوما ** احبه احمد القدر
رجال الصدق زكاهم ** اله الكون في فخر
واعظم امه كانت ** تزيح معاقل الكفر
تحرر عالما تبني ** صروح العدل والنصر
سلام الله قعقاع ** دعاء القلب والفكر

بقلم السعيد السعيد البواب من بني شيبة حمله مفتاح الكعبه ليسانس شريعه وقانون دراسات عليا حقوق عين شمس مدرس بمدرسة الفريق عزيز المصري بالقاهرة  من المنزلة دقهلية شارع السلاموني 

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

القعقاع بن عمرو التميمي

ظهرت ملامح شخصيته بوضوح شديد في الفتوحات فقد كان شجاعاً مقداماً ثابتاً في أرض المعارك وبجوار شجاعته وشدة باسه على أعداء الله كان من شديد الذكاء وذا عبقرية عسكرية في إدارة المعارك ويظهر ذلك في موقعة القادسية. بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم: للقعقاع مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب من أمامه بما يحب أو مما يؤثر في نفسه ولما كان حديثه مع القعقاع وهو رجل يحب الجهاد يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإعداد للجهاد فيقول سيف عن عمرو بن تمام عن أبيه عن القعقاع بن عمرو قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : ما أعددت للجهاد؟ قلت: طاعة الله ورسوله والخيل قال: تلك الغاية .
آثره في الأخرين (دعوته ـ تعليمه): لقد كان للقعقاع أثرأ كبيرأ في نفوس الأخرين ففي اليوم الثاني من معركة القادسية أصبح القوم وفي أثناء ذلك طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية ، وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء ، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس ، فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام ، فهبطت هممهم ، ونازل القعقاع( بهمن جاذويه ) أول وصوله فقتله ، ، ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ، وألبس بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة ، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس يتشبهون بها بالفيلة ، ففعلوا بهم هذا اليوم ، وبات القعقاع لاينام ، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه بالأمس ، وقال : إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة ، ففعلوا ذلك في الصباح ، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس. وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس ، والفرس قد أصلحوا التوابيت ، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل ، ورأ ى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع : اكفياني الفيل الأبيض ، وقال لحمال والربيل : اكفياني الفيل الأجرب ،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل الأبيض فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض ، فنفض رأسه وطرح ساسته ، ودلى مشفره فضربه القعقاع فوقع لجنبه ، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء ، فكان القتال حتى الصباح ، فلم ينم الناس تلك الليلة ، وكان القعقاع محور المعركة. فلما جاءت الظهيرة وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم ، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد رستم الذي هرب.
ما قيل عنه: ـ لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل " ..أبو بكر..
ـ كتب عمر بن الخطاب الي سعد :( أي فارس أيام القادسية كان أفرس ؟ وأي رجل كان أرجل ؟ وأي راكب كان أثبت ؟) فكتب إليه :( لم أر فارساً مثل القعقاع بن عمرو ! حمل في يوم ثلاثين حملة ، ويقتل في كل حملة كمِيّاً ..
شهد القعقاع اليرموك، فقد كان على كُرْدوسٍ من كراديس أهل العراق يوم اليرموك وكان للقعقاع في كل موقعة شعر فقد قال يوم اليرموك:


ألَمْ تَرَنَا على اليرموك فُزنا
كما فُزنـا بأيام العراق
فتحنا قبلها بُصـرى وكانتْ
محرّمة الجناب لدَى البُعاق
وعذراءُ المدائـن قد فتحنا
ومَرْجَ الصُّفَّرين على العِتَاقِ
فضضنا جمعَهم لمّا استحالوا
على الواقوص بالبتر الرّقاقِ
قتلنا الروم حتى ما تُساوي
على اليرموك ثفْروق الوِراقِ

الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

نصر الدين طوبار‏..‏ قيثارة السماء

ولد الشيخ نصر الدين طوبار بمدينة المنزلة محافظة الدقهلية في‏7‏ يونيو‏1920‏ ومابين هذا العام التحاقه بالاذاعة المصرية في عام‏1956‏ واعتماده قارئا ومبتهلا تكمن رحلة اعداده وتكوينه التي بدأت من المنزلة مسقط رأسه وفيها حفظ القرآن الكريم شأن كل الكبار المبدعين من ذلك الجيل والذين من قبلهم
ولأن طوبار كان حسن الصوت فكان اصدقاؤه يلحون عليه في أن يكون قارئا بالاذاعة ولايكتفي بالقراءة في البيت وسرادقات المعارف في المناسبات وظل مترددا فترة من الزمن الا انه أمام اصرار اصدقائه تقدم لاختبارات الاذاعة لكن رغم عذوبة صوته رسب خمس مرت متتالية حتي كاد ان يفقد الأمل الا ان اصرار من حوله علي مواصلة التقدم للاذاعة لاقتناعهم بعذوبة صوته دفعه الي دخول الاختبارات للمرة السادسة وكان نجح في المرة السابعة بعد أن اهتم بالعلم الموسيقي ودراسة المقامات الصوتية المختلفة علي ايدي متخصصين..
قدم الشيخ نصر الدين طوبار مايقرب من مائتي ابتهال وتوشيح منها( يامالك الملك ومجيب السائلين وجل المنادي ويامنقذي).
وكان طوبار قد اكتسب مقدرة فائقة في الانشاد الديني بفضل العلم الذي يحصل عليه ويقربه من المشايخ الكبار من أمثال مصطفي إسماعيل وعلي محمود والمامه باللغة العربية فهو حين كان صغيرا كان يدرس في المدرسة الخديوية فحوله أبوه الي المدرسة الآولية ليتعلم اللغة العربية ويحفظ القرآن الكريم وقد ظهر ذلك عليه في إحساسه بالنبض الشعري الذي يوديه وقدرته علي تجسيد المعاني واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها.
عمل الشيخ طوبار رحمه الله مشرفا وقائدا لفرقة الانشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون المصرية عام1980 وهو في ذلك يشبه فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري الذي ظل حتي بعد أن ذاع صيته يردد في كورال احدي فرق الانشاد الديني.
جاب الشيخ نصر الدين طوبار العديد من دول العالم وانشد علي مسرح قاعة( البرت هول بلندن) في احتفال المؤتمر الاسلامي العالمي ونال إعجاب كل من سمع صوته في الدول التي زارها وكتبت عنه الصحافة الألمانية أن صوته يعزف علي أوتار القلوب, كما كرمته الدول التي زارها اعجابا وتقديرا لصوته العذب.
مر علي مساجد فعقبت بأنغامه السماوية مثل مسجد الخازنداره بشبرا الذي شهد فترة من حياة الشيخ الجليل, حيث تم تعيينه قارئا للقرآن الكريم ومنشدا للتواشيح به اخترق بصوته اجواء بيت المقدس يوم أن أنشد في حفلة بالمسجد الأقصي الذي زاره مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات وكان بصحبته الشيخ مصطفي إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وشعبان الصياد وكان ذلك في يوم عيد الأضحي المبارك عام1977 وكان الشيخ نصر الدين طوبار يكبر للعيد بنفسه بينما يردد بعده المصلون بالمسجد الأقصي وقد ظل الشيخ عل مقدرته الصوتية وكان دائم القراءة بالاذاعة وبالتليفزيون المصري حتي صعدت روحه الطاهرة الي السماء في السادس من شهر نوفمبر عام1986 عن عمر يناهز66 عاما.. الا ان هذه القيثاره السماوية الرائعة لم تنل حظها من التكريم الذي تستحقه حتي الآن فهل تكرمه محافظة الدقهلية التي ينتمي اليها