الجمعة، 30 ديسمبر 2011

مع مطلع عام جديد علماء الدين يحددون أولويات المرحلة المقبلة‏2012‏

بعد ساعات يسدل الستار علي عام‏2011‏ ويطل علينا عام ميلادي جديد‏..‏ وفي حين تمر مصر الآن بمرحلة فريدة في تاريخها للتحول نحو الديمقراطية‏,‏
أجمع علماء الإسلام علي أن هناك تحديات وسلبيات كثيرة واجهت مصر ووقفت حجر عثرة في طريق نهضتها عبر عقود مضت في المرحلة الماضية, ولا تزال آثار تلك التحديات ماثلة في الأذهان, لاسيما بعد ما تكبدته البلاد أثناء الثورة وما بعدها إلي الآن.. وبعيدا عن الخوض في تحليل الماضي وتلمس آثاره المريرة, فقد آثر العلماء طي صفحة الماضي الشائهة ووضعوا خريطة طريق للمستقبل, حددوا فيها أولويات المرحلة المقبلة في مجالات الدعوة والتعليم والإعلام والثقافة, وكذلك الاقتصاد, آملين أن تكون تلك الاقتراحات نواة للإصلاح الشامل والعبور بالوطن العزيز إلي بر الأمان..وأكدوا أن مسيرة الإصلاح ليست مجرد أمنيات أو جمل إنشائية تردد في المناسبات والمنتديات العامة, ولكنها قرارات حاسمة لا تعرف التردد أو الأيدي المرتعشة.
وحتي لا يكون جهود أصحاب القرار كالحرث في الماء, طالب العلماء جموع المصريين بالانصراف إلي أعمالهم أولا وتعليق جميع الاعتصامات والمليونيات, ورفع شعارحي علي العمل.

في البداية دعا الدكتور أحمد ربيع العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر جميع الأئمة والخطباء ومعتلي المنابر أن يعملوا من أجل هدف واحد وهو وحدة الصف, والعمل علي الجمع بين أنصار الأحزاب والتيارات المختلفة, بما يحقق مصلحة الوطن والأمة الإسلامية جمعاء.. فالتنازع هو السبب المباشر في انهيار الدولة أي دولة, والله تعالي يقول: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين, فيجب ان تنتشر قيم التسامح والتآخي والحب بين المسلمين وغيرهم, وان يعمل كل أفراد المجتمع علي إنكار الذات والإيثار والعمل لخدمة الجماعة.
تطويرالخطاب الديني
وأضاف أن الخطاب الدعوي لابد وأن يكون موافقا للأحداث الجارية متفاعلا معها, فلا ينبغي له أن يكون سلبيا بمعني الحديث عن أمور لا تتعلق بالواقع لأن الوعظ السلبي لا يصنع أمة ولا يقيم مجتمعا, كما أن علي من يتصدرون المجالس في برامج التوك شو أن يتقوا الله في مصر وأن يقوم الكل بواجبه علي حسب ما يمليه عليه ضميره من خدمة للوطن حتي يتحقق الأمن والأمان في المجتمع.
ويري الدكتور مصطفي مراد استاذ بكلية الدعوة الإسلامية أن الخطاب الديني الذي نريده يجب أن يكون متبعا للمنهج القرآني خلقا وعلما وأصولا, وفي الفترة الحالية التي نحن بصدد معايشتها ينبغي علي الدعاة أن يركزوا علي ما يجمع الكلمة ويوحد الصف ويؤلف بين القلوب ويلغي العصبيات ويوضح الصورة الحقيقية للإسلام, بعد أن انتشرت نظريات أرضية ونظم وضعية تريد أن تتحكم في شرائع الخلق ومعتقداتهم.
وطالب د.مصطفي مراد بتركيز جامعة الأزهر علي تخريج دعاة يجيدون العلوم الشرعية باللغات الأجنبية المختلفة حتي إذا ما تمت إعارتهم للدول الأجنبية كانوا سفراء حقيقيين للإسلام وللأزهر, ينشرون صحيح الدين ويردون علي الشبه والافتراءات بأسلوب ولغة يفهمها ساكنو البلد المسافرون إليه.
وفي السياق نفسه يوضح الدكتور محمد عبدالفضيل القوصي وزير الأوقاف أن الوزارة تضع في مقدمة أولوياتها تجديد الخطاب الديني ليلائم العصر الحالي والأحداث التي يمر بها المجتمع حاليا وما فيه من مشكلات وفتن وأحزاب, وأيضا ربط الأئمة بمقتضيات هذا الواقع وتنشيط دورهم في المجال الدعوي والإعلامي ليحافظوا علي المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الاسلامي, دون الوصول الي درجة تشكل خطرا ماحقا, وهذا بقدر ممارستهم جميعا دورا ايجابيا فعالا في حماية العقيدة, وتبني مصالح الرسالة والامة,ملتزمين بالضوابط العامة التي تضبط المجتمع ككل بعيدا عن الإنفعال وإثارة الجماهير والتحيز لاتجاه بعينه.
إصلاح التعليم
من جانبه طالب الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق بالإسراع في إصلاح التعليم, وإعادة النظر في السياسات التعليمية الموجودة في جميع المراحل, وأن ننتقل بالتلاميذ والطلاب من الحفظ والتلقين إلي البحث والاطلاع وإعمال العقل, حتي يكون لدينا مبدعون في كل المجالات.
كما أنه يجب أن يراعي الدقة وتوظيف الجهود في المراحل الأولي للتعليم, لأنها هي الأساس, فإذا كان الأساس قويا نشأ قويا, وهذا ينطبق علي التعليم الأزهري والتعليم المدني, وياحبذا لو تمت عودة الكتاتيب فالتعليم في الصغر كالنقش علي الحجر, وعلي الأسرة متابعة الأبناء أثناء الدراسة دون أن تعتمد كليا علي المدرسة, ولا يعني اهتمامنا بالمراحل الأولي أن ننتقص من المراحل الأخري.
وطالب الدكتور أحمد عمر هاشم بمراجعة المقررات الحالية والكتب وأن تصاغ من جديد لأن لكل عصر حديثه ومناسباته وما تمليه الحياة المعاصرة من ضرورة لتكثيف الجرعة المطلوبة, فنحن علي سبيل المثال في عصرنا الحالي نحتاج إلي تفعيل ثقافة المواطنة, وأن يعي الناس أن الكل له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات وتفعيل هذه الثقافة لا يكون إلا بعد أن نقرره في مراحل التعليم.
ميزانية البحث العلمي
وشدد الدكتور طه أبو كريشة عضو مجمع البحوث الإسلامية علي ضرورة الاهتمام بالعلماء والمبدعين, والباحثين في جميع المجالات الشرعية والدنيوية, والعمل علي أن تسجل جامعاتنا مركزا متقدما بين الدول فقبيح بمصر بما لها من تاريخ وحضارة ومكانة إقليمية ودولية ألا يكون لجامعاتها ترتيب عالمي, بل وتتزيل غيرها من دول العالم الثالث في المكانة العلمية. وطالب أبو كريشة بزيادة ميزانية البحث العلمي كما نراه في كثير من البلدان المتقدمة, فمعلوم أن وعي الأمم وتقدمها يقاس بما تخصصه من ميزانيتها للبحث العلمي..هذا بالإضافة إلي إعلاء مكانة العلوم الدنيوية التي تخدم الإنسان وتعمر الكون, وأشار إلي أننا أخطأنا خطأ كبيرا حين ساد بيننا تفضيل العلوم الدينية علي غيرها من العلوم الدنيوية, وقد ترتب علي ذلك أننا تأخرنا كثيرا عن غيرنا من البلاد الأخري التي تفوقت علينا في علوم الدنيا, مما ترتب عليه أننا لم نعد منافسين لغيرنا في أي صناعة من الصناعات أو الأبحاث العلمية, وبهذا أصبحنا معرضين لهذا الغزو الإقتصادي الذي لا يقل خطرا عن الغزو الفكري, ومع ذلك لابد أن ننظر إلي التعليم الديني نظرة أخري غير النظرة التي نعيشها الآن فلا نجعله مقصورا علي جهة معينة ونحرم منه جهة أخري فهناك علم دين عام يجب أن يلم به الجميع من خلال تدريس المقررات الدينية في كل مراحل التعليم بما فيها مرحلة التعليم الجامعي, ليكون أبناؤنا علي وعي تام بأمور دينهم كي لا يكونوا عرضه للاستغلال الديني..كما يجب أن يكون هناك مقرر ديني علي مستوي الكليات الأخري خارج الأزهر الشريف سواء العملية أو النظرية, وأيضا يجب أن يكون هناك مقرر لتعلم اللغة العربية في جميع الكليات لأننا للأسف الشديد نشاهد كثيرا من خريجي تلك الكليات وفي مناصب مرموقة لا يحسنون التكلم بلغتهم العربية.
القضاء علي إعلام الفتنة
يقول الدكتور نبيل السمالوطي عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر سابقا إن الإعلام بشكل عام يمثل السلطة الرابعة في المجتمع, وهو مسئول عن تشكيل وعي ووجدان الأمة, وهو أيضا القادر علي توجيه سلوكياتهم في اتجاه أو في آخر خاصة في المجتمع المصري الذي تصل نسبة الأمية فيه إلي ما يقرب من50%, ولهذا يجب أن يكون الإعلام نزيها وشريفا, يبتعد تماما عن إثارة الفتن, ومخاطبة الغرائز, وألا يكون متوجها لصالح قوي أجنبية, فيجب أن يكون إعلامنا إعلاما وطنيا يدافع عن قضايا الوطن.
وإذا كان هذا مطلوبا في جميع وسائل الإعلام بشكل عام, فإن الإعلام الديني تكون مسئوليته أخطر, لأن المجتمع المصري والعربي متدين بطبيعته, يتأثر تأثرا مباشرا بفكره وسلوكه فيما يسمعه من المتخصصين في الأمور الشرعية.
ويؤكد السمالوطي أن المشكلة الأولي في الإعلام الديني لدينا التضارب الواضح في الفتاوي والتناقض في التوجيهات, ويرجع ذلك إلي الانغلاق المذهبي, فكل قناة تحاول أن تبث أفكارها وتوجهاتها بما يتفق مع المذهب الضيق الذي يعتنقه أصحاب القناة, وهذا يمثل خطا كبيرا لأن الإعلام الديني يجب أن يعرض لحقائق الإسلام الأساسية والأحكام التي تثبت بالكتاب والسنة والتي لا يوجد بصددها أي اختلاف بين العلماء, لذلك فإننا نشد علي أيدي الأزهر الشريف أن يسارع بإطلاق فضائيته المباركة, لنشر المنهج الوسطي المعتدل والتصدي لحملات التشويه للإسلام وحقائقه.
ويجب أيضا علي الإعلام أن يؤكد علي المقاصد الشرعية الكبري للإسلام, وهي حماية وحفظ الدين والأسرة والمال والعقل والعرض وكرامة الإنسان وحقوقه وحرياته, ويركز علي قيم العمل والعلم والإنجاز والإنتاج, فلا يقتصر فقط علي شرح فقه العبادات, وإنما علي فقه المعاملات خاصة أن التنمية في الإسلام وبناء المجتمع القوي فكريا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا فريضة إسلامية.
أما المشكلة الثانية,فهي تكفير بعض المسلمين لبعضهم الآخر أو تبديعهم أو تفسيقهم لأنهم خرجوا علي المذهب الضيق الذي تعتنقه قناة فضائية أو أخري, فيجب علي الإعلام توضيح الحقائق وتترك الخيارات للناس لأن في الإسلام سعة وهو يأمرنا بالاجتهاد, فنطرح اجتهادتنا ولا نصادر علي اجتهادات الآخرين.
ويتفق معه في الرأي الدكتور مبروك عطيه الأستاذ بجامعة الأزهر فيقول إن الإعلام وظيفة خطيرة من أهم وظائف التواصل مع الناس, وفي هذه الأيام بالذات حيث الثورات والمستقبل الذي يكاد يكون مبهما واختلاط القنوات الجادة بالمغرضة في أشد الحاجة إلي الشفافية والصدق, فكلمة واحدة يصدرها الإعلام قد تؤدي إلي خراب البلاد وهروب المستثمر, فإذا كان الإعلام واعيا تنبه إلي ذلك فعالج الأمر بموضوعية, فالأولويات التي يجب أن يراعيها الإعلام هي المصداقية المنضبطة والموضوعية الحقيقية واستضافة العلماء وأهل الذكر لا الأدعياء وأهل الهوي,والمتحيزين لمصالح ذاتية أو أحزاب معينة.
ويوضح الدكتور مبروك عطية إن الإعلام الديني المنضبط هو الذي يقوم علي بناء الشخصية علي عزم الأمور, يقول تعالي: لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور, فإذا انحرف الإعلام الديني عن عزم الأمور أي الأركان والواجبات التي ينبغي أن يتحلي بها المؤمن فقد صار مثل الإعلام الفني أو الرياضي والذي يسعي إلي زي معين أو دعوة معينة, وينبغي أن يركز الإعلام الديني في هذه المرحلة علي فقه الأوطان وعدم الاستجابة للشائعات والتركيز علي أن المسلم معه غيره من حقه أن يعيش معه في تواصل وسلام, وضرورة العمل قبل الكلام حتي تنهض البلاد, ومعالجة السلوكيات الخاطئة التي قد تتسبب في الضرر فينسب إلي مخطط أجنبي أو أبرياء حتي لو كانوا فلول.
تفعيل دور وزارة الثقافة
أما عن الجانب الثقافي فيشدد الدكتور زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر, علي عدة أمور مهمة, منها:
1ـ إزالة الأمية الثقافية التي أصابت حتي المتعلمين, وذلك بتفعيل دور وزارة الثقافة كما كان في الستينيات, وأن تكون ثقافتنا مرادفة لقيمنا بعيدة عن الاستيراد الثقافي وسد منافذ الغزو الفكري والثقافي الذي هو أخطر من الغزو العسكري..فنحن أمة لنا تاريخنا وفكرنا ولنا هويتنا الحضارية التي تميزنا عن غيرنا, وما يصلح لغيرنا ليس بالضرورة يصلح لنا.
2ـ عدم مخاصمة الثقافات الأخري, فينبغي أن نضع الثقافات الأخري تحت مجهز النقد البناء نأخذ منها ما يناسبنا ونترك ما لا يناسبنا دون تجريح أو تسفيه لفكر وثقافة الغير.
3ـ تعميق الاهتمام باللغة العربية الفصحي من خلال الأعمال الدرامية والمسرح والسينما, وتقليص العامية, وتوجيه الإعلام لتصحيح الصورة السلبية عن العربية الفصحي والمتحدثين بها, فاللغة مكون رئيسي من ثقافتنا بل وديننا أيضا.
4ـ وحيث إن الإعلام يعد مكونا رئيسيا من مكونات الثقافة, فلابد من إصلاح منظومة الإعلام وأن يكون الإعلام المصري إعلاما موجها وهادفا ذا رسالة سامية تتماشي وقيم وسمات المجتمع الذي يوجد فيه دون إسفاف أو تسطيح أو تشويه.. يجب محاربة جميع صور الإعلام الفاسد الذي يجهر بالألفاظ القبيحة والخادشة للحياء, وكذلك الإعلام الذي يخاطب الغرائز وينشغل بالإيرادات فقط علي حساب هدم قيم المجتمع.
5 ـ لتحقيق الأمر السابق لابد من عودة مقص الرقيب علي كل ما تنتجه وزارتا الثقافة والإعلام, من أعمال سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية, دراما أو مسرح أو سينما.
6ـ التنسيق بين الأزهر الشريف ووزارتي الإعلام والثقافة وأن يكون الأزهر الشريف ـ المؤسسة الدينية الرسمية في مصر ذات الأغلبية المسلمة ـ طرفا أصيلا في الضوابط التي علي أساسها تقبل أو ترفض الأعمال الثقافية أو الفنية, وأن يكون رأيه ملزما وليس اختياريا.
7ــ تكثيف الرحلات للشباب إلي المناطق الأثرية والسياحية والتاريخية بأسعار رمزية أو مجانا إن أمكن, حتي لا يكون أبناؤنا جاهلين بما تحويه بلادهم من كنوز تاريخية وأثرية, ولعل ما أصاب المجمع العلمي الأيام الأخيرة خير دليل علي ذلك فلو علم شباب الثورة الأطهار قيمة هذا المجمع وما يضمه بين جدرانه لحفظوه وقاتلوا من أجله بأرواحهم قبل أبدانهم.
8ـ جعل مادة الثقافة مادة أساسية في المراحل التعليمية وألا تكون مادة هامشية أو ديكورا بين المقررات الدراسية, وأن يقوم بتدريسها متخصصون وليس هواة.
9ـ تعميق القضية الفلسطينية في نفوس وقلوب الناشئة من خلال الإكثار من المؤلفات والأعمال الفنية التي تعني بالقضية الفلسطينية وتأريخها والمسجد الأقصي ومحاولات تهويده, والتركيز علي البعد التاريخي, وكذلك البعد العقيدي لقضية فلسطين.
الإصلاح الاقتصادي
أما عن الجانب الاقتصادي فيقول الدكتور حسين حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر: لقد تأكد باليقين التام وأصبح معلوما للجميع بالوثائق وبالاعترافات جسامة حجم الفساد الاقتصادي في ظل ما قبل ثورة مصر, فلقد أدي الفساد السياسي إلي فساد اقتصادي واجتماعي وثقافي.. كما أن الأحداث التي برزت بعد الثورة كشفت مناحي وأبعاد الفساد الاقتصادي في مصر وجسامته ومنه علي سبيل المثال:- الاعتداء علي المال العام والملكية العامة,الاختلاسات ومنها العمولات الخفية, التربح والتكسب من الوظيفة بدون حق معتبر شرعا, تبديد ثروات الوطن والسفه في استخدامها, التهرب من أداء الحقوق المالية المشروعة للوطن..وهذا كله محرم في جميع الأديان السماوية بصفة عامة وفي الإسلام بصفة خاصة.. والسؤال الان: ما هي معالم الإصلاح الاقتصادي المنشود؟ وما هي مقومات تطبيقه وما القرارات الاقتصادية العاجلة؟
يجيب د.حسين شحاتة قائلا: حتي هذه المرحلة; تتمثل معالم الإصلاح الاقتصادي فيما يلي:
أولا: تطهير النظام السياسي من بقايا أذنــــــــاب أفـــراد ونظــم ومؤسسات النظام القديم الذين كانوا يفسدون ولا يصلحـــون, حتي يبـني النظام الاقتصادي الجديد علي طهارة شاملة.
ثانيا: إعادة النظر في سياسات ونظم أجور العاملين, ووضع حـــد أدني للأجــر فــي ضــوء تكلفة الحاجات الأصليــة للمعيشـــــة الكريمة, وتطبيق قاعدة: لا كسب بلا جهد, ولا جهد بلا كسب, وإعطاء علاوات سنوية في ضوء متوسط الارتفاع في أسعــار الضروريات والحاجيات واستمرارية نظم الدعم لمن هـــو دون حد الكفاية.
ثالثا: تأمين وتحفيز رأس المال الوطني لاستثماره في الوطن عـن طريق تحقيق الأمن والأمان له وحمايته من الابتزاز والاعتداء من قبل الرشوة والمحسوبية والبيروقراطية والضرائب غير العادلة وإعطائه المزيد من الحوافز حتي يكون مال المصريين لخير المصريين, وكذلك جـذب رأس المال العربي والإسلامي إلي الاستثمار في مصر ليسهم في التنمية.
رابعا: المحافظة علي الموارد والثروات الطبيعية من جميع صـــور الاعتداء عليها والاستغلال غير الرشيد لهــا, وتفعيــل نظـــم الرقابة عليها, ومن هذه الموارد: ماء النـيل ومــاء البحـــر, والثــروة المعدنيــة, والأرض الزراعيــة والصحــراويـــــــة, والممرات المائية, ووضع القوانين التي تحمي تلك الثروات.
خامسا: إصلاح النظام النقدي والمصرفي وتوجيه الاستثمــــارات نحو المشروعات الإنتاجية ذات العلاقة بالضروريات والحاجيات حتـي نؤمـن للشعــب الحاجات الضرورية للمعيشة, وتجنــب الاستثمــار فــي مجــالات المقــامـــرات والمشروعات الترفيهية والمظهرية.
سادسا: إصلاح سوق الأوراق المالية, وتحويلهــا مـــن ســـــوق للمقامرة إلي سوق لتوفير المال للشركات لتنطلق نحــــــــو الإنتاج, ومنع جميع صــور التعامــل المشبوهــة ومنهــــــا: الاختيارات والمستقبليات والتعامل بالمارجن والتعامل بالديون الورقية التي لا تفيد التنمية.
سابعا: علاج مشكلة البطالة بين فئات الشباب من خلال نظــــــــام إنشاء المشروعات الصغيرة والمتناهية فـــــــــي الصـــــــغر وذات العلاقة بالضروريات والحاجيات التي تفيد أكبر شريحة من الفقراء ومن في حكمهم, وتطبيق نظام القرض الحســــن أو المشاركة المنتهية بالتمليك وإلغاء نظــــــــــام القروض الربوية التي فشلت في تمويل المشروعات.
ثامنا: إصلاح النظام الضريبي لتحقيق العدالة الاجتماعيـــــــــــــــة وتخفيض الشرائح لمحدودي الدخل وإعادة النظر فــــــــــــي الضرائب الظالمة التي يقع عبؤها علي الطبقة الفقيرة.
تاسعا: علاج مشكلة الاحتكار والاستغلال ذو النفوذ السياسي عن طريق منع رجال الأعمال من تولي أية مناصب بالدولة حتـي لا تتكرر مشكلة الفساد الاقتصادي.
عاشرا: ترشيد الإنفاق الحكومي, وتجنب كل صور الإســـــــراف والتبذير.
وأوضح د.حسين شحاتة أن تطبيق الآليات السابقة يؤدي إلي تحقيق مجموعة من الثمار النافعة من أهمها ما يلي:
- التضييق والحد من الفساد الذي كان يعوق التنمية, يقول فقهاء الاقتصاد: لا اقتصاد بدون أخلاق, ولا تنمية بدون أمن.
- تحقيق الأمن والكفاية للعامل ليعمل وينتج ويبدع ويبتكر, فاليد الخائفة المرتعشة والمقهورة لا تنتج ولا تبدع ولا تسهم في التنمية.
- تحقيق الأمن للمال ليتفاعل مع العمل نحو التنمية الفاعلة فالمال جبان ويهرب من مواطن الفساد والقلق إلي مواطن الأمن والاستقرار.
- الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية ومن أهمها الماء والأرض لتحقيق الأمن الغذائي للشعب حتي يكون مستقلا في إرادته ومحافظا علي حريته.
- تحقيق الاستثمار الإنتاجي وتجنب الاستثمار الورقي الوهمي من خلال إصلاح النظام المصرفي وسوق الأوراق المالية والمحافظة علي القوة الشرائية للنقد.
- تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تخفيف العبء الضريبي من علي الطبقة الفقيرة وتطبيق مبدأ: أخذ الضريبة بالعدل وإنفاقها في الحق ومنعها من الباطل.
- تحقيق حد الكفاية لكل مواطن من خلال نظام الدعم وتطبيق نظام الزكاة والصدقات حتي يتحول الفقراء إلي قوة منتجة وليسوا قوة مستهلكة.
وأضاف شحاتة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المنشود كإحدي ثمرات ثورة مصر, يستوجب مجموعة من المقومات من أهمها ما يلي:
- الاستقرار الأمني ليوفر البيئة الصالحة للعمل والمال لينطلقا نحو التنمية الاقتصادية وهذا يحتاج إلي حكومة عادلة يثق فيها الشعب لحفظ عقيدته ونفسه وعقله وعرضه وماله.
- الحرية وقوة الإرادة للشعب لينطلق نحو العمل والإنتاج, لا يهدد باعتقال أو بسجن من خلال محاكمات ظالمة.
- الحكومة الرشيدة التي ترعي الأمن والحرية والعدالة والمساواة بين جميع أطياف الشعب لا فرق بين مسلم وغير مسلم وتطبيق مبدأ المواطنة.
- وجود مجموعة من الاستراتيجيات من بينها: الرؤية الواضحة والسياسات الاقتصادية والمالية والتي تكون أساسا للخطط والبرامج والقرارات التنفيذية وتقييم الأداء.
- وجود نظم رقابة شعبية وحكومية علي كل الأجهزة التنفيذية للاطمئنان من أن الأداء الفعلي يسير طبقا للأهداف والسياسات والخطط والبرامج الموضوعية وتنمية الإيجابيات ومعالجة السلبيات في إطار المصداقية والشفافية.
- الصبر والثبات لجميع طوائف الشعب لأن الإصلاح السياسي والاجتماعي يحتاج إلي وقت وبالتدرج من خلال برامج موضوعية وزمنية وصقل الحماس والحمية بالموضوعية والواقعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق