الأحد، 4 ديسمبر 2011

تفسير القرآن بالسنة‏(1‏ ـ‏2)‏ بقلم: د‏.‏ علي جمعة‏


السنة النبوية وحي من الله عز وجل لنبيه صلي الله عليه وسلم الذي يتبع ما يوحي إليه في جميع أفعاله وأقواله‏,‏ قال تعالي في أصل رسالة نبيه‏:‏ إن أتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين‏(‏ الأحقاف‏:9).

فكل ما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم من فعل أو قول هو شرح وتوضيح لما أنزله الله عز وجل, قال الرازي في تفسيره: إن الرسول هو المبين لكل ما أنزله الله تعالي علي المكلفين( مفاتيح الغيب31/20).
وقد كان الصحابة إذا أشكل عليهم شيء من كتاب الله عز وجل يرجعون إليه صلي الله عليه وسلم فيبين لهم ما خفي عنهم, ويفصل لهم ما أجمل فيه, لذلك أضحت السنة ضرورية للوصول إلي الفهم الصحيح والتدبر السليم لآيات القرآن الحكيم.
وهذه الشروح والأحكام التي بينها الرسول صلي الله عليه وسلم إنما هي من وحي الله عز وجل كما قال تعالي: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ولعلهم يتفكرون( النحل:44), ولذلك قال الإمام الشافعي: كل ما حكم به الرسول صلي الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.


وقال السيوطي: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن, فما أجمل منه في مكان فقد فسر في موضع آخر, وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر منه, ثم قال: فإن أعياه ذلك طلبه من السنة, فإنها شارحة للقرآن وموضحة له( الإتقان في علوم القرآن434/2).
ومن هنا أيضا أكد الإمام الشاطبي رحمه الله أن السنة علي كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب, قال: لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة, لأنه إذا كان كليا, وفيه أمور كلية, كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها فلا محيص من النظر في بيانه( الموافقات369/3).
والتفسير النبوي للقرآن الكريم هو كل ما ذكره الرسول صلي الله عليه وسلم تفسيرا وافيا لما في القرآن; من بيان لمجمل, أو توضيح لمشكل, أو تقييد لمطلق, أو إفهام لمعني كلمة أو شرح جملة, أو زيادة حكم فهمه من القرآن; قال القرطبي: البيان منه صلي الله عليه وسلم علي ضربين: بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها, وكبيانه مقدار الزكاة ووقتها, أما النوع الآخر فهو زيادة علي حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة علي عمتها وخالتها, وتحريم الحمر الأهلية( الجامع لأحكام القرآن72/1).
ومن الأمثلة الواضحة لبيان رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه لما نزلت آية حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود( البقرة:187) عمد عدي بن حاتم رضي الله عنه إلي عقال أسود وإلي عقال أبيض, فجعلهما تحت وسادته, فجعل ينظر في الليل فلا يستبين له, فغدا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر له ذلك, فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار( البخاري677/2).
وقد انتهج النبي صلي الله عليه وسلم منهجا وسطا في التوضيح, فلم يسهب في الشرح وذكر ما لا فائدة منه, إنما اهتم ببيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل تأخيرا, أو تلك التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريقه, أما فيما عدا ذلك فقد تركه للمسلمين ليشحذوا فيه زناد عقولهم تفكيرا وتدبرا.
وعلي هذا النهج فصلت السنة مجمل القرآن الكريم في مسائل كثيرة; ومن ذلك قوله تعالي: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( البقرة:43), فقد أوضح الرسول صلي الله عليه وسلم من خلال أفعاله وأحاديث عدد ركعات الصلاة وكيفيتها, ومقدار الزكاة ونصابها.
كما خصص عليه الصلاة والسلام العام, ومن ذلك ما روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم( الأنعام:82) شق ذلك علي المسلمين, فقالوا: يا رسول الله, أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس ذلك, إنما هو الشرك( البخاري2542/6).
وكذلك قيد المطلق, حيث حددت السنة القطع في السرقة باليد اليمني من المفصل وذلك شرحا لآية: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( المائدة:38), كما أوضح المبهم مثل قوله تعالي: حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي( البقرة:238), فقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنها صلاة العصر( البخاري2349/5).
إننا إذا أعدنا الفكر والتأمل في هذه المسائل ندرك أنه لا سبيل إلي فهم القرآن الكريم إلا مقرونا بالسنة النبوية المشرفة, ذلك أن السنة النبوية والقرآن الكريم كليهما وحي من الله عز وجل, مصداقا لقوله سبحانه: وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي( النجم:3 ـ4)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق