السبت، 23 أبريل 2011

أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره (1-2)كتب عبد الوهاب عيسي















غالبا ما نعلن عن استعدادنا للحوار ليس لأن "الآخر" جدير بالتقدير ولكن لأننا على قدر كبير من الشجاعة والكرم يسمح لنا بالتعايش الآخر وأيضا لقناعتنا الداخلية بأن الآخر إن عاجلا أم آجلا حتما سينضم إلينا وذلك لقوة قضيتنا ووضوحها. بشكل آخر فإن تسامحنا مشروط بأن يكون المتسامح معه مستعداً للإنضمام إلى مناخ عام من القيم نضع نحن حدوده. ذلك دون نشعر بأن اللا متسامح الحقيقي هو نحن






.بهذه الصدمات العقلية والأخلاقية كانت سطور وصفحات كتاب "أعداء الحوار أسباب اللاتسامح ومظاهره" للسفير الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشى الذي جعلته مهنته أشبه بالرحالة لعقود طويلة خلال تولىه سفارة بلاده في أنحاء مختلفة من الأرض، عايش فيها كثير من الأمم والثقافات المختلفة وأخذ يبحث ويدقق عن أسباب اللاتسامح ؛ ثم حط رحاله في كتاب مشوقأعداءالحوار. بحث فيه ياكوبوتشى عن أسباب اللاتسامح بكل أشكاله الديني والثقافي والسياسي والمذهبي بشكل عميق ومتحرر من أي وجهات نظر نمطية تقليدياً فقد كان الرجل غاية في العدل في بحثه غاية في الوضوح في نتائجة غاية في التشويق والعذوبة في عرضه لأفكاره.وكان منهجه من البداية "إن بحثي لايسعى وراء عرض صنائع السوء والنفس السوداء لهذا الدين أو لهذه الأيديولوجية، أو لهذا العرق ، أو لهذه الحركة السياسية أو لأخرى. بل إنه يسعى للتأكيد على أننا كلما مددنا أعيننا في الزمان والمكان ، أدركنا أنه لايوجد بشرا أو شعوبا أخياراً أو أشراراً من حيث الجوهر، و لا توجد عقائد أو أيديولوجات حسنة تماما أو شريرة تماما، بل يوجد فقط أناس على قناعة راسخة بأن بعض الأفكار تمثل في ذاتها الخير المطلق وأن ما يتعارض معها يمثل الشر".ثم عرَّف ياكوبوتشى التسامح بقوله "إن التسامح لايعني بالضرورة أن نحب الجار بقدر مايوجب علينا أن نجتهد لاحترامه حتى ولو بالقدر الضئيل".وهو أيضا "لا يعني مشاركة وجهة نظر الأخرين أو نكون غير قادرين على أن نقول كفى للشيء الذي لايمكن التسامح معه، فوجه الاختلاف بين المتسامح واللامتسامح، هو أن الأخير لا يتشكك قط بينما المتسامح لا يستطيع الاستغناء عن جرعة من الشك المنطقي، وهذا الشك يعني أن نضع تلك الحقيقة التي نؤمن بها بشكل راسخ تحت اختبار نقدي دقيق". فاللامتسامح في جوهره يمثل الانغلاق التام تجاه الآخر، فهو انسان عاجز عن النقاش يفكر ويتكلم بمفرده، دون أي حوار. لذا فمن المعتاد أن يصل إلى أكثر أشكاله حدة لمرض واحد.. ألا وهو التعصب . إنه دائم الاستعداد للحكم على الأشخاص والأشياء، معتاد على التعميم، ولايفعل شيئا آخر سوى تقسيم العالم إلى "حق" و"باطل". فهو لديه إحساس بالصواب لاحيدة عنه. يدرك هذا من طريقة كلامهم ،وإيماءاته وهيئته.والسبب في ذلك" أن هذا الشخص يحمل في طياته شحنة انفعالية يعرض عن سماع الأسباب، يحمل يقين مطلق يجب على الآخرين مشاركته فيه، وإن لم يفعلوا فجزاؤهم التهميش، أو الطرد أو حتى التصفية الجسدية".واستنادا الى ذلك حدد ياكوبوتشى أربعة أشكال رئيسية للاتسامح أو أربعة أسباب لرفض الحوار وجعلها عناوين اجزاء الكتاب الأربعة وتقوم جميعها على منبع واحد هو: اليقين المطلق .ذلك اليقين الذي يجعلنا نرفض وجود أي حقيقة أخرى.السبب الأول: اللاتسامح الديني وهو اليقين المطلق لحقيقة تأتي من الله الثاني اللاتسامح الثقافي وهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من الآباء الثالث: اللاتسامح السياسي وهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من عند الرئيس وأخيرا: اللاتسامح الأيدولوجي وهو اليقين المطلق لحقيقة واحدة تأتي من العقل.وبدأ ياكوبوتشى الحديث عن اللاتسامح الديني بعنوان القتل إرضاء للرب وصدره بجملة "لدينا ما يكفي من الدين لكي نكره جارنا لا لنحبه" وقال "الدين أحد أضخم الموضوعات التي تفرض نفسها في كل حديث عن اللاتسامح، ودائما ما تحظى منه بنصيب الأسد.فأي يقين مطلق أكبر من الذي يأتي من الله ؟
إن الأديان منابع للرحمة والعدالة، فكيف نفسر العنف والوحشية والكراهية والاضطهاد والحرب المقدسة باسم عقيدة دينية؟ كيف يمكن أن نقتل إرضاء لله؟











وفي نهاية الفصل قال "أن النقطة المركزية للتسامح هي النظر باحترام أكثر إلى أي دين أخر نراه غريبا عنا أوصعب الدخول فيه . ولا يعني هذا الاحترام أن نقبل حتى واحدة من المقدمات الضرورية، بل – على العكس- هو أن نعتبر الديانات المعارضة لمعتقدنا على قدم المساواة، لأنها في نظر أتباعها ديانات كاملة بالمعنى الشامل".ثم تحدث عن اللاتسامح عند الوثنيين، والذي يظهر في صورة هوس التدين، فرغم أنها أديان لا تهدف إلى اليقين المطلق، إلا أن هناك شكلين من التدين في هذه الديانات، شكل رسمي بطقوس ظاهرة، وشكل سري باحتفالات غامضة، ثم ذكر عدداً من الأمثلة للتطرف الوثني القديم والحديث، كبعض الطقوس الدموية لديانات البحر المتوسط القديمة، مثل ذبح أول مولود، والأضاحي البشرية، وغيرها من الأمثلة البشعة، واضهاد الوثنين لأصحاب الديانات السماوية على مر العصور، وفي العصر الحديث قتل الهندوس والسيخ للمسلمين في الهند.أما العقيدة اليهودية وكتابها التوراة فقد كانت المحطة الثانية في الحديث عن اللاتسامح الديني، جمع فيها المؤلف عدة نقاط راءها مصدرا للاتسامح، منها التمييز في العقيدة اليهودية بيقينهم بأنهم شعب الله المختار، وأن الله اختصهم بالتجلي لهم والكلام معهم دون سائر البشر، وتمييزهم ضد المرأة.وقال في ذلك "لقد كلفت فكرة أنهم شعب الله المختار الشعب اليهودي عبئاً ثقيلاً، حتى جعلت اليهودية عقيدة تقوم على الصرامة وعلى واجبات تجاه رب قاس" ، ثم تحدث عن أهم صور هذا التزمت اليهودي وهو الصهونية واسرائيل.ثم جاء الدور على المسيحية والتي أفرد لها المؤلف أكثر الصفحات، حيث عبر في بداية حديثه عن رفضه للأصوات التبريرية و الدفاعية عن تاريخ المسيحية و المسيحيين، فقال" هناك حقيقة يقينية يظهرها أبسط تحليل تاريخي، وهي أن المسيحية مثلت أقصى درجات اللاتسامح الديني ......... فعلى مدار التاريخ كانت المسيحية أكثر الديانات عدوانية، فقد أزهقت دماء الكثير من الأعداء الداخليين والخارجين"وقد رأى المؤلف أن اللاتسامح المسيحي كان أخطر من اليهودي. " فاذا كان اليهود قد اصابهم اللاتسامح من فكرة أنهم الوحيدين الذين تجلى لهم الله وكلمهم، فما بالك بالذين لم يتجلى لهم الرب بل جعل نفسه انسانا لهم "ثم استفاض المؤلف في ذكر نماذج تفصيلية للقمع المنهجي الذي قامت به الكنيسة في داخل وخارج العالم المسيحي على مر العصور المختلفة حتى العصر الحديث، كهدم معابد المخالفين في الدين، وقتلهم بهمجية، ومحاكم التفتيش الثلاثة، والحملات الصليبية، بل ذكر حتى قمعهم للمخالفين في المذهب فقط كقمع البروتستانت. وفي العصر الحديث ذكر مظاهر للاتسامح كمناهضة الكاثوليكية للحداثة، وظهور ما أسماه بالأصولية المسيحية. وكانت آخر فصول الجزء الأول عن مظاهر اللاتسامح الديني في الاسلام
بدأها المؤلف بنبذة عن الإسلام وأركانه وعالمية شريعته، ثم تناول الجهاد في الاسلام، وكيف أنه يستخدم كفزاعة للمواطنين الغربيين للتخويفهم من الإسلام، بينما الصورة ليست كذلك، فحمل السلاح عند المسلمين وصفه محمد بأنه الجهاد الأصغر، بينما الجهاد الأكبر يكون في النضال الروحي للمسلم ضد شهواته. ثم تحدث عن نجاح الاسلام في الانتشار بسرعة بالغة، وصهره لكل القوميات والأديان في بوتقة واحدة على مر العصور القديمة والحديثة. ثم حصر كل مظاهر اللاتسامح التي تنسب للإسلام في الأصولية الإسلامية في العصر الحديث وأعمالها الإرهابية. فقال "لا يمكن أن نرمي باللوم على الإسلام في هذه الموجة الإرهابية ولكن على ذلك التيار من "المتعصبين الخلص" الذين يفسرون تعاليم القران بطريقة غير متسامحة"وأضاف"لقد خدعت الأصولية الإسلامية الجميع ، وأصبحت أهم حدث في القرن الواحد والعشرين، أهم من ميلاد الاتحاد الأوربي، ومن العولمة الإقتصادية، إن قوة وكثافة هذه الظاهرة قد فاجأت الأوساط السياسية، والثقافية في العالم أجمع" ثم حدد معالم خمسة للاتجاهات الأصولية عامة وهي نقاء العقيدة، القيام على الصفوة، صرامة ممارسة الشعائر، طقوس الماضي، النزعة التبشيرية.وأول هذه المعالم يرجع إلى الشعور بالكارثة والخوف من التهديد الذي يمثله تمرد الإنسان على الله ومخالفة تعاليمه .لذا يصف الأصوليون أنفسهم بأنهم الناجون" " المخلصون" المسؤولون عن حفظ تعاليم الدين كنقطة إرتكاز إجبارية، تجعل الصفة المفضلة لهم في مواجهة العصر هي "الغطرسة" والاستعلاء، فهم يتحدثون بلغة مانوية (تقوم على الصراع بين قوى الخير والشر) فمكانتهم كالنور الذي يبدد الظلام لذا فالتراث يقدم تحت الحصار المظهر الثاني هو الإحساس بالقلة والعزلة، وهذا هو نفس شعور الجماعات القديمة في كل الأديان.المظهر الثالث كان هوسهم بممارسة الشعائر فهي سمة دفاعية لدرء خطر الذوبان في الموجة المادية، المظهر الرابع هو الحنين إلى الماضي والمؤسسين الأوائل. أما الملمح الخير والأبرز فهو استبعادهم لأي حل وسط مما يؤدي إلى العنف والتضحية بالحياة الشخصية وحياة الأخرين. ثم تحدث عن تعدد الأصوليات الإسلامية فهي إذا كانت تشترك في نفس المعالم مع الأصوليات الأخرى، إلا أنها تختلف فيما بينها فلدينا الأصولية السياسية للإخوان المسلمين، وهناك الأصولية السعودية التي بدأت وهابية صارمة في ظروف من الرخاء النسبي والقوة الاقتصادية، وهناك أصولية إيران بخلفيتها الشيعية، وأصولية الجزائر المقاتلة ، وهناك الأصولية القبلية في افغانستان.وفي نهاية الفصل والجزء الأول من الكتاب كان عنوان "إشكالية المسلم الصالح والذي أكد فيه أن الأصولية الإسلامية لها نواة ايديولوجية وشحنة أخلاقية، فهي مدفوعة للدفاع عن حضارة قديمة تتهاوي قواعدها تحت ضغط تغيير كبير. وأن الأصولية لا تظهر لأن الإسلام دينا عدوانيا وعنيفا بحد ذاته، بل نتيجة أن كل مسلم صالح يجد نفسه مضطرا اليوم إلى المواجهة. فكيف يدخل بقوة في العالم الجديد، دون أن يتخلى عن ثوابته الثيوقراطية في المقام الأول.والخطوة الحرجة التي يجب عليه القيام بها هي الفصل التام بين المقدس وغير المقدس أي بين الدين والسياسة. ثم تسائل:"هل يتصور وجود مجتمع متقدم علمياً وفي الوقت نفسه يقوم على أسس ثيوقراطية؟ يجيب المعتدلون بنعم مؤكدين أنه يمكن للإسلام أن يحذو حذو المسيحية ويتبنى أشكالاً من الديمقراطية البرلمانية، غير أن المتعصبين الأصوليين يجيبون بالنفي فالعمود الفقري لشريعة القرآن لايسمح بمساومات وأنصاف حلول". وفي نهاية الجزء الأول يقول:" لكن ولحسن الحظ فإن المتطرفين ليست لهم صلة واقعية مع عامة الناس، فكثيرا من المسلمين خصوصا الشباب، يدركون أنه لا يمكن العودة إلى عصر "الخلفاء الراشدين" الذهبي، لذا وحتى نجد حلا للمعضلة يجب اللجوء الى مصدر القوة الإسلامية وهو المرونة والسماحة والتي سمحت بتعايش وانصهار كل الحضارات في بوتقة واحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق