الجمعة، 10 يونيو 2011

الشيخ شلتوت.. صاحب الإسلام عقيدة وشريعة

«اذكروا لشعبكم مأساة فلسطين وحاربوا التفرقة العنصرية وبلغوا حكومتكم ما قلته لكم مما رأيت من جياع ومشردين سلبوا أوطانهم وحرموا حق الحياة الكريمة، قولوا لبلدكم بلد الحرية: حرام أن يظل هؤلاء علي هذه الحال والعدو سادر في غيه بلا رادع ولا وازع من ضمير».
هذا ما قاله الشيخ محمود شلتوت عندما التقي وفداً من أساتذة الجامعات الأمريكية، كاشفاً عن شخصية ثورية لا تخاف في الله لومة لائم.
والشيخ محمود شلتوت..
عالم دين وشيخ للجامع الأزهر 1958 - 1963م، وأول حامل للقب الإمام الأكبر. كان الشيخ شلتوت من أكثر شيوخ الأزهر اجتهاداً وإعمالاً لفكره، وقد كشف عن نبوغه عندما كان وكيلاً لكلية الشريعة عام ١٩٣٧، وتقدم إلي مؤتمر القانون الدولي المقارن، الذي عقد في لاهاي بهولندا ببحث عن المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية أثار دهشة واهتمام المجتمعين، وكان من نتائجه أن أصدر المؤتمر قرارات باعتبار الشريعة الإسلامية من أهم مصادر التشريع العام، وأنها صالحة للتطور واعتبارها قائمة بذاتها كما قرر المؤتمر أن تكون اللغة العربية – لغة الشريعة الإسلامية – إحدى لغات المؤتمر في دوراته المقبلة وقد نال الشيخ  محمود شلتوت عن هذا البحث عضوية كبار العلماء.
شلتوت سيرة ومسيرة
ولد محمود شلتوت فى الثالث والعشرين من إبريل عام فى1893 فى قرية " منية بنى منصور" مركز إيتاى البارود ـ بمحافظة البحيرة بمصر .والتحق بكتاب القرية وأتم خفظ القرآن الكريم ثم التحق بمعهد الإسكندرية الدينى عام 1906 وكان الأول دائما أثناء دراسته إلى أن نال الشهادة العالمية عام 1918 وصار موضع تقدير شيوخه، وعرف بالذكاء وسعة الاطلاع. وفور تخرجه عين مدرسا بمعهد الإسكندرية ثم نقل مدرسا بالقسم العالى بالأزهر الشريف بالقاهرة.
شارك في ثورة 1919 بقلمه ولسانه وجرأته، فكان مثالا للعالم الأزهري ذي المنزلة الكبيرة وسط جماهير الشعب، ولم يكد يمضي على تعيينه مدرسا في المعهد الديني بالإسكندرية ثماني سنوات حتى نقل عام 1927 إلى الجامع الأزهر مدرسا في القسم العالي في الفقه والأصول.
 قدم استقالته مع عدد من كبار علماء الأزهر الأجلاء لرفض دعوتهم لإصلاح أحوال الأزهر والدراسة فيه واتجه للعمل بالمحاماة في المحاكم الشرعية ورغم ذلك استمرت علاقته بالأزهر وظل ينشر في زملائه الوعي بأهمية الأزهر مما أوجد  بينهم تيارا إصلاحيا وعمل على تقويته وفى فبراير عام 1935 أعيد إلى عمله بالأزهر وعين مدرسا بكلية الشريعة بعد خمسة أعوام من عزله ثم عين وكيلا لكلية الشريعة في عام 1937 .
وقد نادى بتكوين مكتب علمى للرد على مفتريات أعداء الأسلام وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات وكان المكتب نواة ومقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية ـ وقد عين عضوا بمجمع اللغة العربية عام 1946 ومراقبا عاما للبحوث والثقافة بالأزهر عام 1950 ثم وكيلا للأزهر عام 1957 ثم شيخا للأزهر عام 1958 وقد طالب بإعادة النظر فى مناهج الأزهر فصدر في عهده قانون تطوير الأزهر عام 1961  ودخلت في عهده العلوم الحديثة إلى الأزهر، وأنشئت عدة كليات فيه وارتفعت مكانة شيخ الأزهر حتى لاقى من الجميع كل الإجلال.

ولما أراد قانون تطوير الأزهر أن يكون منصب شيخ الأزهر دينيا فقط، ولا علاقة له بالسلطات الإدارية في الأزهر - حتى إدارة مكتبه!.. خاض الشيخ شلتوت معركة صامتة، تحلى فيها بالصبر والشجاعة، ضد هذا العدوان على سلطات مشيخة الأزهر.. وكتب مذكرات شجاعة إلى رئيس الجمهورية - جمال عبد الناصر وإلى رئيس مجلس الوزراء آنذاك - علي صبري - مثلت – ولا تزال - صفحات في كتاب الشجاعة والكرامة والشموخ.

 ثم اضطر لتقديم استقالته من مشيخة الأزهر في 16 ربيع الأول 1383هـ / 6 أغسطس 1963.. وجاء في كتاب استقالته - الذي بعث به الى جمال عبد الناصر، عن أسباب هذه الاستقالة:
... إلى أن أسندت وزارة شؤون الأزهر إلى السيد الدكتور محمد البهي، فسار بها في طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر، وما يبتغيه طلاب الإصلاح له، حتى مس كيانه، وصدّع بنيانه، وفي هذه الفترة الأخيرة، التي جاوزت العشرة شهور، ظللت من جانبي أحاول علاج ما ترتب على طريق سيرة من مشكلات، وأدفع بقدر المستطاع عن حرمة الأزهر وحماه، ولم أدع فرصة إلا التجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ اللّه من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد. ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي، وانتقلت من سيئ إلى أسوأ، حتى تحول الأزهر فعلا عن رسالته، ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان. وإزاء هذه الظروف السابقة المتجمعة، أتقدم آسفا في هذه الظروف بطلب إعفائي من حمل هذه الأمانة، التي أعتقد عن يقين أنكم تشاركونني المسؤولية فيها أمام اللّه والتاريخ، بعد أن حيل بيني وبين القيام بأمانتها.. واللّه أسال أن يديم عليكم نعمة التوفيق في خدمة العروبة والإسلام، وأن ينهض الأزهر في عهدكم حتى يظل للإسلام حصنا وللوطن وللمسلمين في مختلف الأقطار خيرا وبركة.
 وما لبث الشيخ محمود شلتوت أن أصابه المرض -فتوفى بعد خمسة أشهر من تقديمه الاستقالة.. وصعدت روحه المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية في 27 رجب 1383هـ. 13 ديسمبر 1963م، بعد عمر امتد سبعين عاما، كان فيه منارة سامقة للاستنارة والإصلاح والاجتهاد والتجديد.

وكان يحترمه قادة العالم ويرسلون إليه الرسائل ومنهم الرئيس الفلبينى والذي وضع طائرته الخاصة وياوره الخاص تحت تصرفه طوال رحلة الشيخ إلى الفلبينن ومنهم الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا الذي أرسل إليه ليطمئن على صحته عندما مرض وزاره في منزله وكذلك زاره الرئيس العراقي عبد السلام عارف وغيرهم. ومنحته أربع دول الدكتوراه الفخرية كما منحته أكاديمية شيلى درجة الزمالة الفخرية وأهدى له رئيس الكاميرون قلادة تقديراً لأبحاثه العلمية.

 الإسلام ..عقيدة وشريعة
وضع الشيخ محمود شلتوت كتابا قيما أسماه الإسلام عقيدة وشريعة حيث جاء الإسلام عقيدة وشريعة.. فالإسلام هو دين الرسل جميعاً، وإن اختلفت شرائعهم وتنوعت مناهجهم كما قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" سورة الأنبياء :25 ..
إن هذا الدين شريعة وعقيدة، وشريعته هي الترجمة الواقعية لعقيدته، فهذا الدين لا يعرف الفصل بين العقيدة والشريعة.. بل الإسلام.. عقيدة وشريعة.


وفي هذا الكتاب تحدث الشيخ شلتوت عن أصول الإسلام في العقيدة والتشريع فتكلم عن ذات الله وصفاته وعن القضاء والقدر وعالم الغيب والجبر والاختيار ثم تحدث عن طريق ثبوت العقيدة في كتاب الله وعن السنة ومكانتها في الإسلام عقيدة وتشريعا  وعن الإجماع وثبوت العقيدة وجاء الكتاب في فصول تمس الحاجة إلى الإلمام بها في منطق معاصر لم تضيقه المتون ولم تشتته الشروح وقد جاء الشيخ شلتوت بالجديد حقا فيما أفاض فيه من حديث الأسرة زواجا وطلاقا ونسلا وميراثا ومن حديث المال والحدود والقصاص والمسؤولية المدنية والجنائية ومن حديث أسس الدولة في الإسلام ومكانة الشورى وأولي الأمر والتكافل الاجتماعي والعلاقات الدولية.

وفي كتابه من توجيهات الإسلام..يرى الشيخ شلتوت أن القصد من الدين هو تزكية النفس، وتطهير القلب، وظهور روح الامتثال والطاعة واستشعار عظمة الله، وإقرار الخير والصلاح في الأرض علي أساس قوي متين من ربط الإنسان بخالقه الذي يعلم سره ونجواه.. وكل ذلك يظهر في تشريعات الإسلام.

وتحدث عن الدين والدولة والنظرية السياسية في الإسلام، وهو يؤكد أنه إذا كانت الشورى هي أساس الحكم، فإن الإسلام ترك شكل هذه الشورى ومداها للأمة حسب مصلحتها في كل زمان ومكان. كما أنه إذا كان الحاكم وكيل الأمة، فإن من حق الأمة أن تختاره وأن تعزله، فخليفة المسلمين عند الفقهاء فرد عادي لا يمتاز عن أي فرد آخر إلا بثقل المسئولية التي يتحملها كوكيل عن الأمة، فيؤخذ بالقصاص إذا قتل عمدًا، ويحتمل المغارم التي يلحقها بالناس، والأمة صاحبة الولاية عليه، تقيم عليه الحدود وتنفذ عليه الأحكام.

كما أن الدولة لا تملك حق تقييد حريات الأفراد إلا في شروط محددة يسيء من خلالها هذا الفرد إلي دينه أو وطنه أو يعتدي علي الآخرين.. إلخ، فإذا قيدت حرية شخص ما بلا موجب، فلا طاعة لها عليه.

كما يقدم الكتاب صورة مضيئة لدور المرأة الحقيقي في الإسلام، فهي ليست مخلوقة من أجل مهمة خاصة للرجل، فأحكام الشريعة الإسلامية تقدمها في إطار واحد، فهي مطالبة مثل الرجل بالقيام بالأعمال الجادة النافعة وتقديم الآراء الصائبة الحكيمة، لا أن تتخذ باسم الحرية وباسم الأنوثة خطوات تبعدها عن جوهرها الإنساني الحقيقي


مؤلفاته

 وقد ترك الشيخ شلتوت وراءه الكثير من المؤلفات ما بين كتاب ورسالة، يتجلى فيها جميعها شخصيته العلمية وتمكنه من كل ما يعرض له من بحوث واجتهاد في استنباط الأحكام الفقهية، ومن بين هذه المؤلفات:

 فقه القرآن والسنة، ومقارنة المذاهب، والفتاوى، والقرآن والمرأة، والإسلام عقيدة وشريعة،  والإسلام والوجود الدولي للمسلمين/ والمسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية، وهذا هو الإسلام، وتنظيم العلاقات الدولية في الإسلام، والقرآن والقتال والإسلام، والتكافل الاجتماعي، وتفسير القرآن الكريم، والدعوة المحمدية، وأحاديث الصباح في المذياع.
وقد ترجم بعض هذه الكتب إلى اللغة الإنجليزية والإندونيسية وإلى البشتو لغة أفغانستان، ومما يذكر للشيخ شلتوت  أنه لم يكن يطلب على الإذن بترجمات كتبه جزاء غير جزاء الله تعالى في نشر دينه، كما أن كتبه كان الأزهر قد طبعها تبرعا من الشيخ بها لإدارة الثقافة الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق