الجمعة، 11 مايو 2012

نقابتان للأئمة‏..‏ ودعاية فوق المنابر‏:‏ الانتماءات السياسية‏..‏ تهدد مسيرة الدعوة


ألقت ثورة يناير وما تبعها من تطورات بالمشهد السياسي بظلالها علي ساحة الدعوة الإسلامية‏,‏ وعرفت الأحزاب والتيارات والقوي السياسية والانتخابات طريقها إلي بيوت الله التي لم تعد وقفا علي أداء الصلوات والخطب والدروس والمواعظ الدينية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم‏.

وجعلها البعض ساحة لممارسة العمل السياسي أو مقرا لحملاته الانتخابية. وعلي الجانب الآخر سادت حالة من الانقسام والخلاف والصراع بين الأئمة والدعاة, والتي بلغت ذروتها عقب موقف بعض القوي السياسية من مبادرة شيخ الأزهر لإعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور, وبلغت أوجها بعد زيارة المفتي للقدس.

وعلي الرغم من التحذيرات المتكررة لوزير الأوقاف وعلماء الدين بصيانة حرمة المساجد والنأي بها عن ألا عيب السياسة, وأن يكون الإمام علي مسافة واحدة من الجميع دون تحيز لفئة أو جماعة والالتزام بالحياد والموضوعية ومنهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. جاءت المواقف السياسية والبيانات المتكررة لعدد من الأئمة والدعاة لتكشف بوضوح عن الكثير من الخلافات ووقع الخطباء بين مطرقة الدعوة وسندان السياسة والانتخابات الرئاسية, وتحولت خطبة الجمعة إلي نشرة أخبار للمظاهرات والاحتجاجات الفئوية والأنابيب ورغيف العيش وتطورات المشهد السياسي في البلاد.
حتي وقت قريب كان الأئمة والدعاة يتوقون لكيان يتحدث باسمهم ونقابة تلبي مطالبهم, وظهر كيانان يحمل كل منهما اسم نقابة الدعاة- تحت التأسيس- ونقابة الأئمة المستقلة وسادت حالة من الانقسام والصراع بين الأئمة والدعاة, وبلغت ذروتها بعد انسحاب الأزهر من اللجنة التأسيسية للدستور وإنتقل الصراع السياسي بين الأحزاب والتيارات السياسية إلي صفوف الأئمة وساحات المساجد, وفي ظل حالة الاستقطاب السياسي تصاعدت حدة تلك الخلافات, وتعرض الأزهر لكثير من الانتقادات من جانب الأئمة والدعاة المنتمين لتيارات دينية وقوي سياسية, وأصدرت نقابة الدعاة تحت التأسيس بيانا هاجمت فيه موقف الأزهر من اللجنة التأسيسية, وردت عليها نقابة الأئمة والدعاة المستقلة ببيان أشادت فيه بموقف الأزهر الشريف وأعلنت الوقوف خلف الأزهر في كل المواقف وانتقدت محاولات موقف جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحزب النور السيطرة علي اللجنة التأسيسية للدستور, وإقصاء الأزهر
إخوان وسلفيون
ويؤكد الشيخ محمد ماهر إمام وخطيب بأوقاف الشرقية, أن هناك بالفعل انتماءات سياسية للأئمة والدعاة والدليل وجود أئمة ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين, يستغلون المساجد في الدعاية الانتخابية, خاصة بعد أن فاز حزبا الحرية والعدالة والنور بالأغلبية في البرلمان,وفي كثير من الأحيان يتم استخدام القوة من جانب تلك الجماعات لإرهاب الأئمة والدعاة,ويشير إلي أن نقابة الدعاة المهنية التي ينتظرها جميع الأئمة والدعاة أصبحت مهددة بعد أن سيطرت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة علي النقابة وأصبح مجلس تسيير أعمال النقابة من جماعة الإخوان المسلمين ويسعون لإقصاء الأئمة غير المنتمين لحزب الحرية والعدالة ولجماعة الإخوان المسلمين بالإضافة للهجوم المستمر علي الأزهر الشريف.
حقائق مؤكدة
ويري الدكتور خلف مسعود إمام وخطيب بالأوقاف,أن الانتماءات السياسية للأئمة والدعاة باتت حقيقة لا يمكن إخفاؤها, لأن هناك قطاعا من الدعاة هم أبناء الحركات الإسلامية, ومن الطبيعي أن يكون ولاؤهم لهذه الحركات التي تولت العناية بهم وتربيتهم في الوقت الذي تخلت عنهم الدولة وأعطتهم ظهرها. أيضا لأن تجربة مناقشة أمورالدولة داخل المساجد هي فكرة جديدة علي قطاع عريض من الدعاة بسبب أنهم ولفترة طويلة ظلوا محصورين في موضوعات معينة لا يتعدونها بسبب سيطرة النظام السابق علي الخطاب الدعوي داخل المساجد, وبالتالي فإن أي تجربة جديدة لابد أن يكون لها أخطاء, ولايمكن إغفال حالة الاستقطاب الفكري التي يمر بها المجتمع بكل أطيافه مع الأخذ في الاعتبار أن الأئمة والدعاة جزء لا يتجزأ من المجتمع يتأثرون ويؤثرون بما يجري فيه.
وأوضح أن فكرة الحياد وعدم الانتماء لأي من التيارات السياسية والوقوف علي مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية أو من جميع المرشحين تكون عندما يكون كل المرشحين علي مستوي متقارب من الصلاح والوطنية, وهو غير متحقق في هذه المرحلة نظرا لأن قطاع المرشحين يحتوي علي فلول ورجال نظام بائد, ويتساءل: كيف يطلب من الدعاة الحياد والوقوف علي مسافة واحدة بين فلول الماضي ومصلحي المستقبل, كذلك لايمكن أن نغفل أن قطاعا عريضا من المنابر يصل الي نحو خمسين ألف منبر لايخضع أصلا للمؤسسات الدينية الرسمية وحتي التي تخضع منها للمؤسسة الرسمية يقتصر في خضوعه علي الجانب الإداري فقط من حيث الحضور والانصراف ولا يخضع لخطط دعوية. والحل من وجهة نظره يتمثل في ضم المؤسسة الدينية الرسمية المتمثلة في الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء في جسد واحد وأن تستقل بعيدا عن يد أي حكومة وأن تكون كل قياداتها منتخبة وليست معينة, وأن تعود الدولة لدورها في رعاية الدعوة والدعاة وتبني قضاياهم وإنزالهم منزلتهم في المجتمع حتي يعود إنتماؤهم للدولة وليس للأحزاب أو الجماعات, وكذلك إنشاء نقابة مهنية للدعاة حتي يتسني لها القيام بدورها في محاسبة منتسبيها عند وجود تجاوز أو شطط في الخطاب الديني والدعوي حسابا مهنيا وليس إداريا, وهذه الحلول ليست مستحيلة ولكنها سهلة وفي الإمكان متي توافرت نية الإصلاح ووجود إرادة سياسية حقيقية وأيد ثابتة لا توازن علي حساب الحقوق ولا تجامل علي حساب مصلحة الوطن العليا.
ومن جانبه يقول الشيخ محمود الإبيدي إمام وخطيب بأوقاف الدقهلية أن الإمام يجب أن يكون إماما للجميع يستمع لكل الآراء ويخاطب كل الفئات, لكن عليه ألا يضع نفسه داخل دائرة معينة حتي لا يضيق ما وسعه الله, والولاء معلوم أنه لله وللرسول ولكل المؤمنين بمنطوق القرآن: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة والانتماء لدي الإمام يكون لأزهره ولوطنه, وإذا كنا في حاجة إلي الإنصاف فمن الإنصاف أن يكون الإمام إماما ورمزا بعيدا عن السياسة, أما ظاهرة النقابات والائتلافات فهي بالأساس تقوم لأجل المصلحة العامة إلي أن تأخذ منحي التربيطات فتجد من يشكل ائتلافا أو مجلسا نقابيا يسعي لأن يكون انتماء من معه من نفس انتمائه حتي تتم الموافقة علي أي شيء يتقدم به أويريده وهو الذي سيوقع ضررا لغير المنتمين وستختلف معايير التقييم وتصبح لمصلحة الحزب, ويكفينا أن ننتمي إلي الأزهر أبا وإلي مصر أما لنعيش حياة عادلة حرة مستقلة ونتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه حتي يظل الإمام رمزا للوسطية والإعتدال.
تهديد للعمل الدعوي
وأما الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق: لابد أن يلتزم الإمام داخل المسجد بالعمل الدعوي ويتمثل ذلك في توعية الناس بالمفاهيم الصحيحة وإلقاء الدروس الدينية وأن يلتزم الإمام بمنهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, لكن إذا ابتعد الإمام عن هذا الدور وقام بعمل سياسي يخدم حزبا أو جماعية ينتمي إليها فهذه قضية خطيرة تؤثر وتهدد العمل الدعوي ولابد أن يدرك ذلك كل داعية وأن يضع مصلحة الدعوة الإسلامية فوق كل إعتبار وأن يبتعد عن كل الوسائل التي تبعده عن رسالته العظيمة, وطالب الأئمة والدعاة بالإبتعاد عن إستخدام المساجد في الدعاية الإنتخابية لأي مرشح أو حزب أو تيار سياسي لأن هذه ليست مهمة الداعية رجل الدين الأزهري الذي يقتدي به الناس, أما إذا كان الإمام له إنتماء لتيار سياسي أو حزب معين فعليه أن يترك كل ذلك خلفه عندما يدخل المسجد حتي لايكون الإنتماء السياسي أو الحزبي مؤثرا علي العمل الدعوي فيصبح الداعية معبرا عن حزب أو جماعة وينشغل بالعمل السياسي ويطغي علي شخصيته الدعوية.
ويشير إلي أن الداعية عندما يتكلم في أمور الدين داخل المسجد يستمع له الجميع وينصت الناس لرأيه أما إذا تكلم في أمور السياسة فسيجد من يعارضه وقد يتم التطاول عليه أو انتقاده وهنا يتحول الانتماء الحزبي أو السياسي إلي أداة تهدد واجب ورسالة الداعية, ويؤكد ضرورة ألا يكون الإمام أسيرا لاتجاه حزبي معين والحق سبحانه وتعالي يقول قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وهذا يدل علي أن وظيفة الداعية هي الدعوة إلي الله وليست الدعوة لحزب أو جماعة أو تيار سياسي. ويضيف أن إمام وخطيب المسجد مسئول أمام الله عز وجل عن كل أمور المسجد صغيرة كانت أم كبيرة, فعليه أن يدير شئون المسجد بما يرضي الله عز وجل وأن يركز علي الدعوة بالموعظة الحسنة, فيلقي دروس العلم وخطبة الجمعة بما يفيد الناس وينفعهم ولا يجعلها مادة للدعاية الانتخابية لمن يريد من المرشحين ولا يجعل الانتماء لجماعة أو حزب أو القرب من أحد المرشحين سببا لإستخدام منابر بيوت الله لتحقيق مصالح دنيوية كالانتخابات وغيرها
مخالفة شرعية
ومن جانبه يري الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه لا يجوز أن يكون للأمام أو الداعية أي انتماء سياسي أو حزبي, لأن الإمام لابد أن يكون إماما للجميع ولا ينتمي لجماعة أو حزب حتي يبدي رأيه غير مرتبط بأفكار حزب معين ويكون مستقلا في تفكيره لأن رأيه مؤثر في الناس وينظر له الجميع نظرة تقدير نظرا لرسالته السامية, أما أن ينخرط في حزب أو جماعة فهذا ينتقص من قدر الإمام, كما أن رواد المسجد الذين لا ينتمون للحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها الإمام سيختلفون معه وهذا ما لايجب أن يحدث لأن الإمام لابد أن يكون علي مسافة واحدة من جميع الناس ولا يكون هناك إختلاف سياسي أو فكري مع من يقدم لهم الدعوة والنصيحة, وإذا كنا اليوم علي مقربة من إنتخابات رئاسة الجمهورية فإن الأئمة مطلوب منهم عدم التحيز لأي من المرشحين. ويؤكد أن الأئمة والدعاة أبناء الأزهر الشريف هم.. دعاة للجميع وهذا يجعلهم يقومون بتلبيه دعوات الأحزاب أو التيارات المختلفة فيلقون المحاضرات أو يحضرون الندوات ويطرحون رأيهم فيما يطرح عليهم من القضايا العامة وأمور الوطن بشكل عام دون تحيز وهذه ميزة كبيرة يتمتع بها الدعاة لأن عدم انتماء الدعاة لأي من الأحزاب يجعلهم علي مسافة واحدة من جميع الأحزاب والجماعات المختلفة سياسيا, كما يزيد من قدر الدعاة لدي الناس لكونهم غير مصنفين علي أي من الأحزاب أو الجماعات أو التيارات السياسية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق