الجمعة، 8 يونيو 2012

إبراهيم وبناء الشخصية الإنسانية


هذا الإنسان الذي كرَّمه الله وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلاً؛ حين يعرض عن الحق ويهمل العقل الذي أكرمه الله به، ويرضى لنفسه الهبوط إلى ما دون ذلك: يرتد إلى ما هو أشبه بالمسخ في تفكيره، ونظره إلى الأمور، كائناً ما كان شأنها في عاجله وآجله.
أرأيت إلى قوم إبراهيم عليه السلام، بعد أن فاجأهم بالحقيقة آخر المطاف، وبيّن لهم بالحجة الدامغة، أنهم في عبادتهم للأصنام في ضلال مبين، على شاكلة آبائهم الذين – بما هم عليه من ذلك – في ضلال مبين أيضاً؛ لما أنهم يتدحرجون – بعماية – على هذه الطريق المنكوسة والعياذ بالله!!

ثمّ: ألم ترى إلى ما كان منهم؟ لقد كان منهم أن استنكروا ما قاله عليه السلام وسألوه سؤال استنكار محذرين منذرين: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ}... (الأنبياء : 55)، وذلك ما جاء في قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ}.... (الأنبياء : 54-55).
هكذا يجادلونه بهذا العبث في إهمال لأبسط قواعد الحوار، وما يقضي به العقل السليم من النظر في كلام المخالف واحترام الدليل.
نعم، ألا تستوقفك هذه الكلمات من قولهم: إنّ هذا ثمرة الخضوع لتزيينات الشيطان، وما يزخرف من العبودية للهوى وتقليد الآباء والأجداد بلا نظر أو تمحيص.
سبحان الله! يكلمهم الناصح الأمين من أرفع مستوى في قضية أصيلة من قضايا الإنسان تتعلق بمعتقده، وترتبط إيَّما ارتباط بوجوده وإنسانيته؛ لأنّه إذا تخلى عن العبودية لله: فقد تخلى عن حقيقة وجوده الإنساني، وحرِّيته الحقيقية، وناهض فطرته التي فطره الله عليها... يكلمهم – صلوات الله وسلامه عليه – من هذا المستوى، فيقابلونه بهذا التساؤل المقيت الذي يجعل الاهتمامات الكبيرة على الصعيد العام، نوعاً من العبث الذي عبروا عنه باللعب، دون شيء من الحياء!!
ونحن نرى في دنيا الواقع اليوم: أن كل أولئك الذين يحلو لهم أن يتشدقوا بالإلحاد والكفر بمن خلقهم وخلق الكائنات كلها، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة: يقعون في شرك العبودية لغيره من الأشخاص، أو النفس، أو المال، أو أي غرض من أغراض الدنيا علا أو سفل! بل قد دخلت هذه العبودية لغير الله – مع ما يكتنفها مما ذكرنا – في صلب تنظيمات منمقة مسؤولة، ولكن تحت عناوين أخرى في ظل مبادئ تنكر وجود الله. وهل بعد هذا الضياع للإنسان، وكرامته وحرِّيته من ضياع؟ بل وهل بعد هذا العدوان على أصل الفطرة عنده من عدوان؟!
أمّا إبراهيم عليه السلام: في تعبير عن البنية الفكرية السليمة، والنظرة الإنسانية التي تصف – فعلاً – صورة تكريم الله للإنسان، والمنهج الذي يضع العقل موضعه ليعمل هو، وينهزم التقليد الأعمى الموروث... أما إبراهيم: فقد نصح لقومه ووضع الحقيقة المعقولة المقبولة المستندة إلى الدليل الناصع بين أيديهم لو كانوا يعقلون. وقد جاء التعبير عن ذلك كله بقوله جل شأنه: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}... (الأنبياء : 56).
ويلاحظ أن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام طرح الحقيقة – كما أسلفت – مصحوبةً بدليلها؛ بل ربكم المستحق للعبادة الذي لا إله غيره: وهو فاطر السماوات والأرض الذي فطرهنّ خلقاً سوياً لا عوج فيه ولا أَمْت.
فخالق الكون بما فيه من إنسان وسماوات وأرضين وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهنّ، وهو الخالق لجميع الأشياء.. هو – سبحانه – الجدير بأن يُعبد وتعنو الوجوه لعظمته، وتعفَّر الحياة بالسجود بين يديه.
وانظر إلى اعتزاز المؤمن بربه، وبالحق الذي يدعو إليه؛ يقول إبراهيم عليه السلام: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، أي وأنا أشهد أن لا إله غيره ولا ربَّ سواه.
إنّ كل أولئك الذين أوصدوا دون عقولهم أبواب التدبر، وأغلقوا – عامدين – منافذ الفهم والتفكر: غير مقبولي الشهادة في مثل هاتيك القضية الكبرى، ولكن مقبول الشهادة: هو الإنسان السويُّ الذي أزال الغشاوة عن عينيه، وترك للفطرة التي فطر الله الناس عليها أن تستجيب وتعمل، وأطلق العنان بدقة وتجرد، فنظر واستقرأ وتدبّر.
من أجل ذلك أعلن إبراهيم في قومه على صورة لا تحتمل اللبس {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
أما بعد: فإن كل ما يدور على أرضنا في العالم الإسلامي، وما يدور في العالم من حولنا مما يتعلق بالمسلمين بشكل مباشر أو غير مباشر: يستدعي بناء الشخصية المتوازنة التي تتحسّس الواقع من خلال العقيدة ومنهج التفكير السليم، وتنطلق بثبات وطمأنينة في مختلف آفاق العمل البنّاء؛ لأنّ الشخصية القلقة التي ضاع صاحبها، وهوت إلى القاع بإعراضه عن العقيدة السليمة عقيدة الفطرة. وإدباره عما يقول به العقل السليم: هو عبء على الأُمّة ولون من ألوان الركام المؤذي على الطريق.
وإنّ إبراهيم عليه السلام فيما شهد للحقيقة، وفيما حكم بالضلال على المستهترين بعقولهم، المستهينين بفطرهم: قد رشَّح لمسيرة الإنسان، من يكون الكفء من بني الإنسان.
وإن من إعجاز القرآن: ما أغنى – بحمد الله – البشرية بتجربة القرون التي عاناها الإنسان، وحُقَّ لأُمّة غنيت هذا الغناء: أن تنمي فاعليتها الذاتية وتستأنف مسيرة الحق المضيَّع من جديد.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية طيبة وبعد ,,,,

    يسعدنا بداية أن نهديكم أصالة عن أنفسنا، ونيابة عن جامعة المدينة العالمية [MEDIU] أرق التحية وأطيب الأمنيات لكم بدوام التقدم والإزدهار، مقرونة بصادق الدعوات لكم بالمزيد من التوفيق والتطور والنماء.

    جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا:

    "جامعة المدينة العالمية [MEDIU] ماليزيا" هي إحدى الجامعات الرائدة في دولة ماليزيا، والتي امتازت بالتفوق والتميز في مجالات التقنية والتعليم العالي، و "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" هي جامعة متعددة الثقافات والمجالات الدراسية ويقع مقرها الإداري الرئيسى في مدينة شاه علم بماليزيا ، وإليكم تاريخ موجز:
    1. تأسست "جامعة المدينة العالمية [MEDIU]" مطلع عام 2004م بالمدينة المنورة.
    2. في تاريخ 19/يوليو/ 2006م حصلت الجامعة على دعوة من وزارة التعليم العالي الماليزية لإنشاء مركز الجامعة بدولة ماليزيا .
    3. بتاريخ 20/يوليو/2007م، حصلت الجامعة على الترخيص الكامل من وزارة التعليم العالي الماليزية لتكون أول جامعة عالمية ماليزية تنتهج منهجي التعليم - نظام التعليم المباشر في المقر الجامعي بماليزيا - نظام التعليم عن بعد (عبر التعليم الالكتروني) وتستهدف الطلاب من شتى أنحاء العالم.
    4. في مطلع شهر فبراير من العام 2008م بدأت الجامعة أعمال التشغيل الكامل وإستقبال الطلاب .
    5. إلتحق بالجامعة إلى مطلع العام 2009م زهاء [1500] طالب وطالبة من دول مختلفة، في حين زاد عدد طلبات الإلتحاق المقدمة إلى الجامعة عن [3000] طلب إلتحاق.
    6. اوائل /2009 م. طرحت الجامعة اكثر من (24)برنامجا أكاديميا معتمدا من قبل هيئة الاعتماد الأكاديمي ووزارة التعليم العالي الماليزية في كلياتها, واكثر من (34) دورة معتمدة في اللغتين العربية والإنجليزية بمركز اللغات .
    7. أوائل 2009 م. تنوعت مستويات البرامج الدراسية في الجامعة لتشمل إيجاد مراحل : المستوى التمهيدي للمرحلة ماقبل الجامعية , الدبلوم , درجة البكالوريوس ، الدراسات العليا , دورات التأهيل اللغوي .
    8. أواسط 2009 م. بلغ عدد الطلبة الذين تم تسجيلهم في الجامعة اكثر من (4701) طالب وطالبة من اكثر من ( 40 ) جنسية حول العالم .
    9. الربع الثالث لسنة 2009 م. اجتازت جامعة المدينة العالمية [MEDIU] بنجاح التفتيش المؤسسي الذي عقدته وزارة التعليم العالي الماليزية للتأكد من الجودة الأكاديمية والإدارية للجامعة .
    10. نهاية عام 2009 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الوارده الى الجامعه عن ( 6508 ) طلب من اكثر من (60) دولة حول العالم , فيما زاد عدد الطلبة المسجلين في الجامعة عن ( 2482 ) .
    11. نهاية عام 2009 م. انتهت الجامعة من تقديم (10) برامج دراسية جديدة لإعتمادها من قبل هيئة الإعتماد الماليزي في مراحل الدراسات العليا .
    12. نهاية عام 2009 م. بدأت جامعة المدينة العالمية الاجراءات التأسيسية للبدء بالتعليم الجامعي المباشر في تخصصات علمية وتطبيقية جديدة شملت علوم الحاسب الآلي , والعلوم المالية والإدارية , والهندسة والتي تعتزم أن يتم البدء بها منتصف العام 2010 م .
    13. أوائل عام 2010 م. زاد عدد الطلبة المنتسبين في الجامعة الى (3057 ) طالب من مختلف دول العالم , من بداية موسم 2010 .
    14. نهاية عام 2010 م. بلغ عدد طلبات الإلتحاق الواردة الى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (511) بلغ عدد المسجلين أكثر من (154) طالباً .
    15. أوائل عام 2011 م. زاد عدد طلبات الإلتحاق الواردة إلى الجامعة لنظام التعليم المباشر قرابة (2312) وبلغ عدد المسجلين أكثر من (362) .
    16. أوائل عام2011 م. إدراج برامج جامعة المدينة العالمية الحاصلة على الإعتماد الأكاديمي الكامل لأربعة برامج دراسات عليا في كلية العلوم الاسلامية ضمن قائمة المؤهلات المعترف بها من قبل هيئة الخدمة المدنية بماليزيا .
    17. نهاية عام 2011 م. تم تخريج الدفعه الأولى من طلبة جامعة المدينة العالمية في مرحلة برامج الماجستير والبكالوريوس وعددهم (84) طالبا وطالبة لدرجة البكالوريوس, و(27) طالبا وطلبة لدرجة الماجستير .

    ردحذف