الجمعة، 6 يوليو 2012

الجهاد طبيعة الأمة ووجهة حياتها (1 ــ 2) جمال قطب


(1)
 
للأسف الشديد غابت أو غيبت بعض معالم الشريعة نتيجة سوء الفهم عند البعض، وسوء القصد عند البعض وتلك نتيجة طبيعية لرواج فئتين من الناس، أولاهما فئة الذين تناولوا ــ ما يثرثرون به ــ من الورق والكتب دون دراية بمنهج وغاية ووجهة ومقاصد الشرع، وقد ملأوا رءوسهم بما استهواهم مما سود، صحائف الكتب، والفئة الأخرى فئة هؤلاء الذين يفتنهم حب شيخهم، ومعيارهم فى هذا الحب هو تفرد الشيخ عن الأقران فيتصورون حسب هواهم شيخهم بين الشيوخ نبيا بين أعداء، أو عاقلا بين سفهاء، أو عالما بين جهلاء.. وهم فى هذا التصور يواصلون ممارسة ما نعاه القرآن على الأمم من قبلنا من كارثة تقليد الأجيال السابقة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
 (2)

 من أبرز معالم الشريعة التى غابت أو غيبت ــ فريضة الجهاد ــ وهى وجهة الأمة ووسيلتها لإنجاز إعمار الأرض بواسطة إنسان كريم، هذه الفريضة الجامعة التى أراد البعض لها أن تكون قتالا وسلاحا وعنفا، ويعلم الله ويشهد الرسول «ص» ويذكر القرآن، وتبين السنة النبوية أن الجهاد هو وجهة عامة للأمة وهو استراتيجية تجمع حياة الأمة فى ثلاث مراحل هى: 1 ـ إعمار الأرض وتكريم الإنسان، 2 ـ حراسة الاستقرار، 3 ـ منع وقوع العدوان أو صده إذا وقع. فكيف تغفل الأمة عن وجهتها؟ وتضل طريقها، فتبقى عالة على غيرها؟! يقول تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ.....) (60) الأنفال.. فالنص القرآنى يفرض إعداد شقين من القوة: أولهما قوى العلم والعمل والإعمار والإبداع، والشق الآخر هو القوة العسكرية لحماية الشق الأول.

وقارئ القرآن يدرك للوهلة الأولى أن القرآن يحمل ثلاثة مفاهيم يختلف بعضها عن البعض فالجهاد غير الحرب غير القتال. وعلى ذلك فالجهاد هو الأصل وهو أوسع مجالا من الحرب فإذا ظهرت قوى العدوان فلابد من حروب متعددة إما حرب إعلامية أو نفسية أو اقتصادية وحضارية أو دبلوماسية ثم تأتى حروب السلاح بدرجاتها.

(3)

والجهاد فريضة شرعية خصائصها: الدوام والعموم والشمول، وأبعادها: العلم والعمل للسلام ثم للحرب إذا لزم الأمر. وأقصد بالدوام: أن الجهاد هو طبيعة ودور المسلم فى الحياة فهو يجاهد بمعنى أنه يتقبل الأصعب ويتحمل الأثقل فى سبيل الله لتطويع أحوال الدنيا وتصحيح ظروفها، فالجهاد هو عمليات الإعمار والبناء وما يلزمها من تربية وإعداد وتدريب، وإنتاج وتجويد وتجديد، وإبداع ووفرة وتبادل، كل ذلك نشاط دائم يشارك الجميع فى استمراره وتواصله دون فتور. وهذا هو المعنى المباشر لكلمة الجهاد والمجاهدة. والمقصود بالعموم: إن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة لا يسقط أبدا وبالدرجة الأولى فى مجال تخصصه العلمى أو العملى. فالمسلم فى عمله دائما مجاهد يبذل أقصى جهد للإنجاز والاتقان أما الشمول: هو استيعاب جميع مجالات الحياة.

(4)

فجهاد الفرد: هو دوام التعليم والتدريب واختيار دوره فى الحياة بين العلوم أو الفنون حسب ما وهبه الله من قدرات فيسعى إلى نوع العمل الذى يحقق فيه تفوقا مع استمرار تحديث معلوماته وتطوير قدراته، وجهاد الأسرة: والسعى لإنشاء أسرة. هو حسن اختيار كل من الزوجين للآخر طبقا لقدرات متوافقة عقليا ونفسيا واقتصاديا، ومصابرة كل منهما للآخر، وإقناع الأبناء بأهمية اختيار مجالات العلم والعمل التى تبرز مواهبهم وليس ما يخلب النظر. وجهاد المجتمع: هو تيسير سبل العلم والعمل والإبداع، ورفع الحواجز والعقبات من أمام جميع المواطنين لتمكينهم من التنافس. وجهاد الدولة: هو تنظيم شئون الوطن والمواطنة طبقا لقواعد العدالة والمساواة فى إطار منظومة قانونية (دستور/ قانون/لوائح/قرارات..إلخ) تقوم على الديمقراطية والشفافية والحياد. وجهاد الحكومة هو إدارة عمليات البناء والتنمية فى ضوء المنظومة الدستورية مع استمرار فتح الأبواب للمشاركات الشعبية بما لا يسمح بانسحاب إحدى قوى المجتمع أو شرائحه. وجهاد الإعلام توخى نشر الحقائق والوقائع كما هى دون تهويل أو تهوين، مع ضرورة إشعار المواطن بالفوارق الطبيعية بين الأخبار، والرأى، والإعلان. وعلى ذلك فالجهاد: هو نظرية الإسلام فى تحقيق السلام العالمى، ومحور الجهاد هو إعداد جميع القوى واستنفارها للإعمار وحراسة الإعمار، فثلاثة أرباع جهاد المسلم للإعمار وتحقيق الوفرة والتواصل العالمى والربع المتبقى من الجهاد لإعداد قوى الحراسة لصرف العدو عن محاولة العدوان أو صده إذا حدث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق